للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبكل حال فالحديث -على القول بثبوته - دال على أن جزءاً كبيراً من سورة الأحزاب قد نسخ، وأن مما كان فيه آية رجم الزاني المحصن، ولا يخفى عليك -أخي الكريم- أن أمر النسخ مرده إلى الله -تعالى- فإذا شاء تعالى نسخ، وإذا شاء أحكم، وهذا معنى قوله -تعالى-"ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" [البقرة:١٠٦] ، ولذا قرر أهل العلم أن نسخ النص الشرعي لا يكون إلا بنص شرعي مثله، ولما كان الأمر كذلك؛ فلا ريب أنه إنما يقع لحكمة بالغة، فهو تعالى الحكيم العليم، ولهذا فلا إشكال -حقيقة - فيما دل الحديث عليه؛ لأننا نعلم يقينًا أن النسخ لا يكون إلا لحكمة بالغة، ربما يدركها الخلق، وقد تغيب عنهم، وغير بعيد أن يقع نسخ هذا الجزء الكبير من السورة، فإن الأمر لله -تعالى- يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، بل وقع النسخ فيما هو أكبر من ذلك؛ إذ مما لا شك فيه أن هذه الشريعة جاءت ناسخة لكل الشرائع قبلها ومهيمنة عليها، ونحن نعلم أن الشرائع قبلنا قد نزلت معها كتب إلهية، هي كلام الله الذي أنزله على الرسل قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-، كما في صحف إبراهيم -عليه السلام- والتوراة، والإنجيل، وغيرها مما لا يعلمه إلا الله، ولم يكن في هذا النسخ غضاضة ولا حرج؛ لأن ذلك كله إنما يقع لحكمة بالغة ومشيئة نافذة، وربما كان من تلك الحكم أن الآيات المنسوخة من سورة الأحزاب أو غيرها تضمنت شرائع، وأحكاماً وقتية يحتاجها الناس فقط في الوقت الذي نزلت فيه، أما مَنْ بعدهم من الناس فلا يحتاجونها، كأن تكون الآيات تقص خبراً وقع في تلك الفترة، أو تبين حكماً في حادثة وقتية، أما أصول الدين كالعقائد، وأمهات الأخلاق، وأصول العبادات، فهذه لا يتناولها النسخ قطعاً؛ لأن حاجة الخلق متعلقة بها مهما اختلف زمانهم وتغير مكانهم؛ ولأنها - أيضاً - مما لا يعتريه اختلاف، ولا يطرأ عليه تغير؛ لأن ما تضمنه من قيم يتصف

<<  <  ج: ص:  >  >>