للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن هذا إنما أشكل عليه وعلى أسلافه؛ لأنهم لم يفهموا من نصوص الصفات إلا ما يعقلونه من صفات المخلوقين ولوازمها، ففروا من التشبيه إلى التعطيل، ولو أثبتوا نزولًا واستواء لا تدرك كيفيتهما لم يلزمهم ما يلزم نزول المخلوقين مما يناقض الكمال، والمعاني التي تضاف إلى الخالق تارة وإلى المخلوق تارة يلزمها لوازم عند إضافتها إلى الخالق لا تناسب المخلوق، ولوازم عند إضافتها إلى المخلوق لا تليق بالخالق، كما يلزمها لوازم لذاتها عند قطعها عن الإضافة لا تفهم إلا بها، فلا تُنفى عن الخالق ولا عن المخلوق، كلزوم القرب من النزول، وقس على ذلك بقية الصفات.

وليعتبر المتعاظم قبول حديث النزول بقوله صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي ... " الحديث. أخرجه مسلم (٣٩٥) . فهل يرد هذا الحديث بأنه يلزم منه أن يكون الرب تعالى، مشغولًا بقول هذا للمصلين دائمًا، حيث لا تخلو منهم ساعة، فسبحان من لا يشغله شأن عن شأن. بل ليعتبر في هذا بأن المسلم يصلي لربه في أوقات محدودة لا تُقبل صلاته قبلها، أو بعدها إلا بعذر شرعي، مع كون هذه الأوقات، موافقة لغيره ممن يقيم ببلاد أخرى تختلف مشارقها ومغاربها، فما حال من يقول لا أؤمن بخصوصية الثلث الأخير من الليل بنزول الرب ودنوه إلا كحال من يقول: لا عبرة بانتظار أوقات الصلاة والإفطار والإمساك للصائم، وتحري ليلة القدر، ونحو ذلك من أوقات الدعاء الفاضلة؛ لكون البلاد لا تخلو من هذه الأوقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>