الفاعل الموقع للسرقة، فأما هذا فلا يوصف بالسارق إلا بالشرط؛ فإنه يحتمل أنه لا يدري بأنه سارق، كأن يأخذ المال يظنه ماله. ويحتمل أنه أكره على السرقة بقتل، أو اضطر لجوع.
ومثال آخر: الزنا. فالإيلاج في فرج محرم هو: الزنا. وفيه المراتب الماضية:
صورة الفعل نفسه، في حال الافتراض والتصور الذهني. وهذه تسمى: زنا.
إيقاع الفعل نفسه، إذا تحقق عينا، حينما يقوم به أحد الناس. ويسمى كذلك: زنا.
الفاعل الموقع للزنا، فلا يوصف بالزاني إلا بالشرط؛ فيحتمل أنه أولج في فرج يظنه حلالا له، لظلام أو نوم ونحوه. ويحتمل أنه أكره على فعله.
كذلك السياف الذي يقطع الرقاب بالسيف. فالقتل هو: إزهاق الروح. وهذا قد فعل الإزهاق.
فصورة الفعل نفسه في الذهن، هي: قتل.
وإيقاع الفعل يسمى: قتلا.
لكنه ليس بقاتل قطعا.
والدليل على عدم ثبوت الوصف في حق الفاعل إلا بالشرط: أن هؤلاء المعذورين لا يؤاخذون، ويسقط عنهم الحد، ولو كان الوصف لازما لكل فاعل، ثابتا عليهم في كل حال: لوجب الحد عليهم.
ولا يقال هنا: نثبت الوصف في حق الفاعل، دون الحكم.
فهذا كلام لا معنى له، إلا الإصرار على تجريم الفاعل، ولو بالاسم والصفة، دون مراعاة عذره، وهو ينافي رحمة الشريعة، وأن الأصل فيها عدم المؤاخذة إلا بعد التقدم بالإعذار، قال تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" [الإسراء:١٥] .
وبالنظر إلى ما سبق: فإن الكفر من الأحكام التي تأخذ التفصيل الآنف، فمثلا: الحكم بغير ما أنزل الله. فترك الحكم بما أنزل الله تعالى كليا، والحكم بما وضعه القانونيون: كفر. ثبت بذلك النص القطعي، في قوله تعالى: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:٤٤] . وفي هذا الفعل المراتب الآنفة:
صورة الفعل نفسه: الحكم بغير ما أنزل الله تعالى. في حال الافتراض الذهني، وتسمى: كفرا.
إيقاع الفعل نفسه، بقيام أحد الناس بالحكم بغير ما أنزل مطلقا، ويسمى: كفرا.