للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاعل للفعل، وهو الحاكم بغير ما أنزل الله تعالى، فلا يسمى كافرا، إلا بالشرط.

فإطلاق الوصف بالكفر على العمل، لا يشترط فيه سوى الإتيان به فحسب، أما إطلاقه على الفاعل له، فيشترط فيه – زيادة على مجرد الإتيان – قصده، وخلوه من الأعذار، وهو لا يعرف إلا بقيام الحجة؛ وذلك بثبوت الشروط (=العقل، والبلوغ، والعلم، والعمد..) ، وانتفاء الموانع (=الجهل، الجنون، النسيان، التأول، الإكراه..) .

والتعليل: أنه ليس كل من فعل الكفر فقد أراده وأحبه. بل قد يفعله مكرها، أو جاهلا، أو متأولا. وهذه أعذار واردة في كل فاعل للكفر، يستوي فيها الحاكم والمحكوم، فتجب مراعاتها، منعا للظلم، ومؤاخذة الناس بما لا يعتقدونه، ولا يقصدونه. ولو كان كل فاعل للكفر كافرا، من غير شرط:

لكفر عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ إذ قال كلمة الكفر مكرها!!.

ولكفر الذي قال في حال فرحه، إذ وجد ناقته: (اللهم أنت عبدي، وأنا ربك) (١) . سبق لسان منه.

لكن الدليل أفاد أنهما لم يكفرا، بقوله صلى الله عليه وسلم لعمار: "إن عادوا فعد" (٢) ، وقوله عن الآخر: "أخطأ من شدة الفرح". وسوق القصة مساق المدح. فثبت بذلك التفريق بين الفعل والفاعل.

مهمة عسيرة.

ومع كل ذلك: فإثبات الكفر على الواقع في عمل كفر، ليس من السهولة بمكان، فإنه يحتاج إلى خطوات لازمة، واجبة:

أولاً: إثبات أن هذا العمل كفر، بنص ثابت، دلالته على المطلوب قطعية.

وهذا لا يمكن إلا بملك أدوات الفتوى: من علم بالكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وقدرة على الاجتهاد. فهي مهمة العالم إذن.

ثانيا: إثبات وقوع المعين في هذا العمل الكفري، يقينا لا ظنا وخرصا.

وهذا يحتاج فيه إلى خبر متواتر، أو كلام مسطر في كتاب له، أو فعل اشتهر فصار معلوما للجميع، كتعطيل الشريعة والحكم بالقانون الوضعي، ونحو هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>