للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسا: أما إذا عدنا إلى سؤالك فعليك أن تعلم أن أنواع العذاب والنعيم التي في الآخرة لا تماثل مسمياتهما في الدنيا، ولذلك روى الطبري في تفسيره (٤٩٠) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: ليس في الدنيا مما في الآخرة إلاّ الأسماء، أي: أن حقائقها لا تتماثل وإنما يوجد تقارب في المعنى يوضح الحقيقة ولا يعني التطابق والتماثل، ولذلك أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن البون الشاسع بين نار الدنيا ونار الآخرة فقال:"ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم" قيل: يا رسول الله إن كانت لكافية؟ قال: "فضلت عليهن بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها" رواه البخاري (٣٢٦٥) ومسلم (٢٨٤٣) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قالوا: يا رسول الله، وإن كانت لكافية.) فليس بين نار الآخرة ونار الدنيا تماثل حتى نقيس عليه باقي صنوف عذاب الدنيا.

سادساً: عندما ذكر الله ـ عز وجل ـ من عذاب جهنم عذاب النار كان هذا في وحي يخاطب جميع أجيال البشرية وفي بقاع الدنيا كلها والبشر كلهم على تعاقب الأعصار وتفرق الديار يدركون ما في النار من إحراق وعقوبة فما ظنك لو ذكر أموراً لا تدرك إلاّ في زمن دون زمن، أو في بلد دون بلد من نحو ما أشرت إليه ـ كالصعق الكهربائي ونحوه ـ فهل سيكون هذا في كتاب يخاطب البشرية في الدهور كلها، إن هذه الأمور التي تذكرها الآن غير مدركة في بلاد كثيرة، وغير مدركة في أعصار كثيرة، فكان من إعجاز هذا الكتاب العظيم ذكره الحقيقة التي يشترك فيها البشر والتي لا يضرها تعاقب الأجيال، ولا تفرق الأماكن.

<<  <  ج: ص:  >  >>