ثامناً: إن الذي خلق الخلق هو أعلم به، " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"[الملك:١٤] فهو -جل وعز- أعلم بخلقه وأعلم بأنواع نعيم المطيعين وأنواع عذاب المجرمين وهذا الرب الذي خلق وعلم ما خلق أخبر أن عذاب النار هو أشد العذاب فكل ما يرد في ذهنك من صور العذاب فما في النار أشد منه كما قال الله ـ عز وجل ـ:"أدخلوا آل فرعون أشد العذاب "[غافر:٤٦] فقوله: "أشد العذاب" يدل على أنه لا يوجد عذاب أشد من هذا العذاب الذي يصلاه آل فرعون في النار، وكل ما يخطر على بالك من أنواع العذاب فهو دونه في الشدة لأن الذي أخبر بذلك هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بهم "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"[الملك:١٤] .
تاسعا: إن ما في النار من العذاب ليس مقصوراً على التهاب حرارة النار، ففي النار من أنواع العذاب شكول أخرى فيها الزمهرير وفيها الزقوم وفيها السلاسل والأغلال ومقامع من حديد، وماء كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم فحرارة النار هي نوع من عذابها، وفيها من أنواع العذاب أشياء أخرى نسأل الله أن يجيرنا منها.
أيها الابن الكريم وبعد هذا كله فإني أنصح نفسي وإياك بأن يكون في قلوبنا توقير للرب الذي نعبده وتعظيم للكتاب الذي أنزله، وذلك بأن نتوجه إلى المعنى الذي سيقت من أجله الأخبار فنملأ به قلوبنا، فأخبار النار إنما سيقت لتحذيرنا وتخويفنا منها وإنذارنا من الوقوع فيها، وحملنا على تجنب المعاصي والآثام والالتزام بطاعة الله ومرضاته التي هي طريق إلى جنته. فهذا الشيء الذي ينبغي أن يكون عامراً في قلوبنا وهذا الشيء الذي ينبغي أن تتحرك فيه قوانا العقلية والفكرية لا أن ننقل عقولنا إلى التفكير فيما هو وراء ذلك مما يقصر العقل عن إدراكه ويفوت الثمرة العظمى الحقيقية التي جاءت الأخبار وتنزلت الآيات من أجلها نسأل الله أن يأخذ بنواصينا إلى الحق وأن يهدينا سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.