لقد أخبر - سبحانه وتعالى- أنه أعد الجنة التي عرضها السماوات والأرض للمتقين، وأعد النار التي وقودها الناس والحجارة للكافرين، فأخبر في آيات كثيرة بخلود أهل الجنة فيها أبداً، وأنهم لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى التي كانت قبل دخولهم الجنة، وأنهم منها لا يخرجون، وأما قوله تعالى:"وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ"[هود:١٠٨] ، فقوله تعالى:"ما دامت السماوات والأرض"، قيل: إن هذا تعبير عن الدوام الذي لا انقطاع له، وقوله تعالى:"إلا ما شاء ربك"، أظهر ما قيل في هذا الاستثناء أن المراد به بيان أن خلود أهل الجنة فيها هو بمشيئته - سبحانه وتعالى- فبقاؤهم بإبقاء الله، وأكد دوام نعيم الجنة بقوله:"عطاء غير مجذوذ"، كما قال في الآية الأخرى:"إن هذا لرزقنا ما له من نفاذ"، وقال تعالى:"أكلها دائم وظلها"، وأما القول بفناء الجنة هو قول (جهم بن صفوان) إمام المعطلة ومن تبعه، فالقول بفناء الجنة جحد لما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة فهو كفر، وكذلك النار، أخبر -سبحانه وتعالى- عن خلود أهلها فيها، وأنهم لا يقضى عليهم فيموتوا، وما هم بخارجين من النار، وأنهم كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، وأما قوله سبحانه وتعالى:"فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد"، وهو كذلك يدل على خلود أهل النار فيها ما دامت السماوات والأرض، وقد تقدم معنا ذلك فيما جاء في شأن السعداء، وأما قوله تعالى:"إلا ما شاء ربك" فالقول فيه كالقول في آية الذين سعدوا، فمعناه أن خلود أهل النار فيها، وبقاءهم هو بمشيئته سبحانه وتعالى، وقد ذهب جمهور أهل السنة إلى أن النار لا تفنى، وأن أهلها مخلدون فيها للآيات التي سبقت الإشارة إليها،