المحكم هو البين الواضح كما في قوله تعالى:(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[البقرة:٨٣] . فكل أحد من السامعين يعرف المراد بالوالدين ويعرف معنى الإحسان إليهما، أما المتشابه فهو الذي قد يظهر معناه للعالم وقد يخفى بحسب العلم والعمل، وقد يظهر بعض معناه ولا يظهر بعضه الآخر، وقد يخفى المراد منه فلا يعلمه سوى الله تعالى، فمثلاً استواء الله تعالى، على عرشه واضح المعنى، ولكن حقيقته وكنهه وكيفيته من المتشابه الذي لا يعلمه أحد سوى الله تعالى، وكذلك بقية الصفات الحسنى، ومن ذلك المراد بالحروف المقطعة في أوائل بعض السور. وليس كل ما سبب حيرة للإنسان فهو من المتشابه، خاصة إذا كان الذي أصابته الحيرة ليس من أهل العلم الشرعي، فقد تصيب الإنسان الحيرة من أمر يراه خفيًّا عليه وهو جلي واضح بالنسبة لغيره، ومثال ذلك تحير بعض أبناء البلاد الإسلامية أمام الآيات الناصة على وجوب التحاكم إلى شرع الله واضطرابهم في ذلك اضطرابًا هائلًا، مما يدل على حيرتهم، وهي قضية محكمة واضحة جلية عند جميع أهل العلم والإيمان، فقد علم جميع المسلمين وآمنوا بأن الدين الإسلامي له جانبان؛ أحدهما عبادة الله وحده دون سواه، والثاني تحكيم شريعته وحده دون سواه٠
وقل مثل ذلك في حيرة بعض الطوائف المبتلاة بحب القبور ودعوة أهلها مع الله أو دون الله في أمور لا يقدر عليها إلا الله، مع أن هذه القضية من قضايا الدين الأصلية الكلية الثابتة المحكمة، فلا تدل حيرتهم على انتقالها من حيز المحكم الواضح إلى حيز المجمل أو المتشابه.