ثانيًا: أن ما وقع من تلك الأخبار كان في العهد النبوي وفي زمن التشريع، وما يمكن أن يقع من مخالفة شرعية، فإنه لا يقر عليها المخالف، ولهذا اعتبر أهل العلم هذه الأعمال التي أقرها النبي صلى الله عليه وسلم، كسنة الوضوء، وكصيغة التحميد، اعتبروها من السنن المرغَّب فيها؛ بدليل الإقرار- وهو أحد أدلة السنة-بل وبما رتبه النبي صلى الله عليه وسلم، على بعضها من ثواب، كما في حديث بلال، رضي الله عنه، وكما في قصة التحميد، وأنه صلى الله عليه وسلم قد رأى بضعا وثلاثين ملكًا يبتدرونها أيهم يرفعها، وهذا بخلاف ما يقع من اجتهاد في العبادة بعد عصر التشريع وبعد إكمال الدين؛ فإنه لا يمكن أن يكون عبادة إلا إذا كان وفق السنة، ويشهد لدليل الإقرار هذا حديث جابر، رضي الله عنه، الوارد في صحيح مسلم (١٢١٨) قال: (فَأَهَلَّ- يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- بالتلبية: لبيك اللهم لبيك ... وأهلَّ الناس بهذا الذي يهلون به- يعني بقولهم: لبيك وسعديك ... فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم- تلبيته ... ) ا. هـ، والشاهد هنا: أنهم زادوا على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقرهم على هذه الزيادة، وهذا ممكن في عصر التشريع، لا بعده، ومع هذا، فقد كره مالك والشافعي- في أحد قوليه- هذه الزيادة، وذهب الجمهور إلى الجواز، لهذا الحديث، كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (٣/٤١٠) .