ثالثًا: أنه قد جاء في بعض هذه الأحاديث المشار إليها ما يدل على إنكار الصحابة، رضي الله عنهم، بعض أعمال القرب التي توحي أنها مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فيها زيادة على ما جاء به الشارع، كما دل على ذلك حديث عائشة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ "قل هو الله أحد"، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني: كالمنكرين لهذا الصنيع- فقال صلى الله عليه وسلم:"سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ ". وهذا التساؤل يحمل نوعًا من الاستنكار أيضًا - فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن عز وجل، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّهُ". انظر صحيح البخاري (٧٣٧٥) وصحيح مسلم (٨١٣) . وهنا أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي، رضي الله عنه، على هذا الفعل، فأصبح تكرار القراءة لهذا الغرض جائزًا أو مشروعًا عند بعض أهل العلم؛ لهذا الحديث.
وبكل حال، فإنه لا ينبغي للعامة أن تستند إلى مثل هذه الأحاديث التي ربما أشكلت على بعض أهل العلم، فضلاً عن العامة، وتدع الأحاديث المحكمة التي دلت صراحة على تحريم البدعة، ومنها حديث عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَن أحْدَث في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ". أخرجه البخاري (٢٦٩٧) ومسلم (١٧١٨) . وحديث:"كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ". أخرجه مسلم (٨٦٧) . ونحوهما، فكيف يعدل عن الصريح والمحكم إلى المتشابه؟! والله تعالى أعلم.