للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله تعالى في سورة الأحزاب: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" [الأحزاب:٧٢] فهذا تعظيم لشأن الأمانة التي ائتمن الله عليها المكلفين من الجن والأنس، والتي هي امتثال الأوامر واجتناب النواهي في السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة: كالسماوات والأرض والجبال عرض تخيير لا تحتيم، وقال لها: إنك إن قمت بها وأديتها على وجهها فلك الثواب وإن لم تؤديها وتقومي بها فعليك العقاب، فالمخلوقات خفن ألا يقمن بهذه الأمانة لا عصياناً لربها ولا زهداً في ثوابه، وعرضها الله على الإنسان على ذلك الشرط فقبلها وحملها مع ظلمه وجهله، فحمل هذا الحمل الثقيل جهلاً بعظم ما يترتب على ذلك، والله أعلم، فالناس منقسمون في هذا إلى ثلاثة أقسام: منافقون أظهروا أنهم قاموا بهذا ظاهراً لا باطناً، ومشركون تركوها ظاهراً وباطناً وهذا من أظلم الظلم وأجهل الجهل بحقيقة المصير وعظم الأمانة، ولذلك قال الله عنهم بعد هذه الآية "لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً" [الأحزاب:٧٣] فالتوبة والمغفرة للقسم الثالث وهم الذين قاموا بأوامر الله وانتهوا عن نواهيه، القائمون بالأمانة العالمون بعظم شأنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>