وهنا أنزل الجماد كذلك منزلة العقلاء الخاشعين هيبةً أمام عظمة الله وجعله مثلًا ليتفطن مغزاه المتأملون, وبهذا بلغ التمثيل في القرآن غاية الإحكام والبيان لينبه الغافلين ويستحث النابهين, قال ابن كثير:(فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته لو فهم هذا القرآن فتدبر ما فيه لخشع وتصدع من خوف الله - عز وجل - فكيف يليق بكم يا أيها البشر أن لا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه)(تفسير ابن كثير ج٤/ص٣٤٤) .
قال النسفي:(جائز أن يكون هذا تمثيلاً كما في قوله تعالى: (إِنّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ... )[الأحزاب: ٧٢] .
ويدل عليه قوله:(وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) .
وهي إشارة إلى هذا المثل وإلى أمثاله في مواضع من التنزيل) (تفسير النسفي ج٤/ص٢٣٤) .
وقال البيضاوي:(تمثيل وتخييل.. ولذلك عقبه بقوله: (وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) . (تفسير البيضاوي ج٥/ص٣٢٣) .
وقال السمرقندي:(هذا على وجه المثل، يعني: لو كان الجبل له تمييز لتصدع من خشية الله)(تفسير السمرقندي ج٣/ص٤٠٩) .
وقال الثعالبي:(ضرب الله سبحانه هذا المثل ليتفكر فيه العاقل)(تفسير الثعالبي ج٤/ص٢٨٨) .
وعن القرطبي:(أي إنه لو أنزل هذا القرآن على جبل لخشع لوعده وتصدع لوعيده، وأنتم أيها المقهورون بإعجازه لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده)(تفسير القرطبي ج١٨/ص٤٤) .
قال القفال:(فإذا تقرر أنه تعالى يضرب الأمثال وورد علينا من الخبر ما لا يخرج إلا على ضرب المثل وجب حمله عليه)(تفسير القرطبي ج١٤/ص٢٥٦) .