وأجاز ابن عاشور رأيًا يحفظ للأداة "ثم" أصل دلالتها على ترتيب الأحداث ويدفع الخلاف حول أسبقية التكوين؛ الأرض أم السماء؟ بالتمييز بين السماء التي تسبق الأرض في النَّظم والتكوين والسماء التي تلحق بها, قال ابن عاشور (رحمهم الله جميعًا) : (والسماء إن أريد بها الجو المحيط بالكرة الأرضية فهو تابع لها متأخر عن خلقها, وإن أريد بها (محل الأجرام السماوية فهي) .. أعظم من الأرض فتكون أسبق خلقًا, وقد يكون كل من الاحتمالين ملاحظًا في مواضع من القرآن غير الملاحظ فيها الاحتمال الآخر) (تفسير التحرير والتنوير ج١ص٣٨٤) . وهذا يؤكد تباين دلالة لفظ "السماء" حسب السياق منها ما نراه وما هو غيب من ذلك البناء المحيط بنا.
وفي قوله تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ..)[المؤمنون:١٧] . ورد عن الأعلام تفسيرها بمسارات الأجرام السماوية التي تعلونا تارةً وبالسماوات السبع تارةً أخرى, كما في قوله تعالى:(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا* وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهّاجًا)[النبأ:١٢،١٣] .
وقوله تعالى:(أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا* وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنّ نُورًا وَجَعَلَ الشّمْسَ سِرَاجًا)[نوح:١٥، ١٦] . قال ابن عاشور:(قد عدَّ الله تعالى- السماوات (العُلَى كذلك) سبعًا، وهو أعلم بها وبالمراد منها, إلا أن الظاهر الذي دلت عليه القواعد العلمية أن المراد من السماوات (محل) الأجرام العلوية العظيمة.. ويدل على ذلك أمور:
أحدها أن السماوات ذكرت في غالب مواضع القرآن مع ذكر الأرض.. فدل على أنها عوالم كالعالم الأرضي.. ثانيها أنها ذكرت مع الأرض من حيث أنها أدلة على بديع صنع الله تعالى فناسب أن يكون تفسيرها تلك الأجرام المشاهدة) (تفسير التحرير والتنوير ج١ص٣٨٥) .