أو شغلوا عن معرفة الشورى والعمل بها؛ حباً للاستبداد وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، وإنما يهرع المستبد إلى الشورى عندما تضيق عليه الأمور، وقد طبقت الشورى في العهد الراشدي أحسن تطبيق، فكانت عاقبتها حميدة للأمة، فقد تشاور أبو بكر الصديق مع الصحابة -رضي الله عنهم- في قتال المرتدين، وفي بعث جيش أسامة - رضي الله عنه -وجاء بعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فجعل الأمر من بعده شورى بين ستة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رضي عنهم، وجعل خمسين من الأنصار - رضي الله عنهم- يراقبونه، وكان كثيراً ما يكتب لعماله يأمرهم بالتشاور مع الناس في أمورهم، وقضية الشورى في الإسلام تعم الرجال والنساء؛ لأن أوامر الشرع ونواهيه هي للجنسين جميعاً إلا ما نهى عنه الشارع في تخصيص أحدهما كاختلاف في الميراث والشهادة، والقوامة للرجل خاصة ونحوها، والشورى ليست من هذه المستثنيات فقد استشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوجته زينب في شأن عائشة - رضي الله عنهما- في قصة الإفك، فأثنت عليها خيراً، انظر ما رواه مسلم (٢٧٧٠) من حديث عائشة - رضي الله عنها- واستشار زوجته أم سلمة -رضي الله عنها- في موقف الصحابة - رضي الله عنهم- من التحلل في صلح الحديبية، فقد جاء في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه - رضي الله عنهم- انحروا ثم احلقوا، وكانوا أحرموا بالعمرة، ولم يرضوا عن شروط الصلح مع قريش، فرد عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم- أمره لهم ثلاثاً، فوالله ما قام منهم رجل، فلما لم يقم منهم أحد دخل على زوجته أم سلمة -رضي الله عنها- مغضباً، فسألته عن حاله، فذكر لها ما لقي من الناس، وعدم امتثالهم له، فقالت: يا نبي الله، أتحب أن يفعلوا ذلك؟ قال: نعم، فقالت: أخرج لا تكلم منهم أحداً بكلمة؛ حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك فخرج فلم يكلم منهم أحداً حتى فعل ذلك،