ومن دقائق فوائد آية آل عمران أن الاستشارة ليست خاصة بالمؤمنين الملتزمين بل هي حتى للعصاة المذنبين، كما يدل عليه سياق الآية وسبب نزولها، وفي استشارة هؤلاء وغيرهم تطييب لنفوس الناس خاصة المذنبين والعصاة منهم، مما يدل على صفاء قلب ولي الأمر نحوهم، وفي استشارتهم استظهار لرأيهم عن سبب معصيتهم، ومخالفتهم له، وفي هذا تحذير للناس أن يقعوا فيما وقع فيه إخوانهم من قبل، وقد أطلق الله حكم الاستشارة في الآية ليعم التشاور كل مناحي الحياة في السلم والحرب، وقد بوب البخاري من صحيحه باباً قال فيه:"كانت الأئمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة؛ ليأخذوا بأسهلها" وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- ذات يوم:"لو اجتمعتما في مشورةٍ ما خالفتكما" رواه أحمد (١٧٥٣٣) وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، ولم يجعل للشورى صفة أو قاعدة معينة لعلمه باختلاف السياسات وتجدد الأوضاع واختلاف الأحوال بعده، فما يصلح لعصر قد لا يصلح لغيره لا سيما مع توسع رقعة الإسلام واتصال الناس بعضهم ببعض كافرهم ومسلمهم حتى أصبح العالم وكأنه في قرية واحدة.
إن محاسبة المقصر في عمله أو الرقابة عليه، لهي من صحيح الشورى على كل أفراد الشعب أو هيئاته، ومجالسه، وهي على العلماء، وأهل الرأي ألزم وأوجب؛ لحديث:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم (٤٩) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - والإنكار بالقلب يعني البراءة من الموافقة الفكرية للمنكر ولو نظرياً اعتقاداً أو مجاملة.