ومن المحزن حقاً أن توجد البطالة في بلدٍ يعد من أغنى البلاد الإسلامية، وأسباب الظاهرة كثيرة، لا يعنينا أن نُفيض فيها ونسهب في عدِّها وإحصائها، ولكن يعنينا أن من جملة هذه الأسباب هو إغراق البلد بالعمالة الوافدة الرخيصة، والتي لا تمانع أن تعمل بأبخس الأثمان، ولو براتبٍ زهيد لا ينهض بأعباء الحياة وتكاليف المعيشة، لأن العامل إنما جاء ليجمع لا ليقيم، ولأنه يقيس راتبه (الزهيد) بقوته الشرائية في بلده الأصلي، لا بقوته الشرائية في البلد الذي يعمل فيه.
ولا شك أن مساواة هذا العامل بابن البلد فيها مضارة به؛ لأن هذا الراتب الزهيد لا يفي بمتطلبات الحياة الضرورية والحاجية، فكيف سيحصل ابن البلد على عمل براتب يفي بمتطلبات الحياة الحاجية إذا كان التاجر يجد من يعمل لديه بأجرة أقل؟!
إن فتح المجال للوافد للعمل ليكون مساوياً للمواطن في الاستباق للفرص الوظيفية المتاحة قد يبدو مساواةً عند أول وهلة، غير أنه في حقيقة الأمر منافسة غير متكافئة بين الطرفين، والمستبق الغالب فيها هو بلا شك الوافد؛ لأنه سيقبل بالأجر الأقل الذي لا يفي بالتكاليف المعيشية لابن البلد.
إذاً المنافسة غير متكافئة الأطراف، والمتضرر منها بالتأكيد هو المواطن.
ويمكن أن يستأنس لكون المواطن أحق بوظائف بلده من الوافد بحديث معاذٍ رضي الله عنه لما بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فكان مما قال له:"فإن هم أجابوك لذلك ـ أي للصلاة ـ فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم" رواه البخاري (١٣٩٥) ، ومسلم (١٩) فيمكن أن يُستفاد من هذا الحديث أن فقراء البلد هم أولى بزكوات أغنياء بلدهم من فقراء البلاد الأخرى.