لقد عاش أهل الذمة في بلاد المسلمين قروناً طويلةً يمارسون شعائر دينهم في بيوتهم وأحيائهم، فيشربون الخمر ويأكلون لحم الخنزير، ويفعلون غير ذلك مما يستحلونه في دينهم. ولكنهم ظلوا ممنوعين أن يجاهروا بذلك بين المسلمين، أو يدعو أحداً منهم إليه.
إن الوحدة الوطنية لوطن من أوطان المسلمين لهو جزءٌ من وحدة الأمة، وما لا يدرك كله لا يترك جُلّه. فالسعي في وحدة الوطن على النحو الذي لا يقوِّض الولاء والبراء ولا يحجِّمه ليس سعياً في هدم وحدة الأمة ولا يناقضها أو يناهضها، بل هو سعيٌ في تحقيق جزءٍ من وحدة الأُمة، فهو مندوبٌ إليه من هذا الوجه.
والرابطة بين أهله وأفراد شعبه لا شك أنها رابطة ممدوحة إذا كانت منضويةً تحت رابطة الدين، وكانت تعاوناً على البر والتقوى ونصرةً للحق وأهله ومناوأةً للباطل وأهله.
والمقصود أن الوحدة الوطنية ليست باطلةً بإطلاق ولا حقاً بإطلاق، بل فيها الحق الملتبس بالباطل، وفيها المعروف المختلط بالمنكر.
أما السؤال عن ابن البلد: هل هو أولى بالوظائف من الأجانب المنتمين إلى جنسيات أخرى؟ فلابد عند الجواب أن تؤخذ المسألة في ظل ملابساتها وظروفها الحالية، فإنه قد حُدّت الحدود السياسية بين الدول، وقننت القوانين في الإقامة والاستيطان، واستُحدِثت الجنسيات، وصارت هجرة الإنسان مقيدة بشروط وضوابط وأعراف.
ومن الإشقاق أن نقول لشخص لا يجد عملاً في بلده الذي يفد إليه العمّال من البلاد الأخرى ـ أن يخرج من بلده هذا إلى بلد أخرى لعله أن يجد فيه عملاً.