أما حين تقتضي الوحدة الوطنية أن يحب المواطن أبناء وطنه كلهم على السواء بجامع الانتماء للوطن نفسه بلا اعتبار للدين فهذا لا يجوز؛ ففي هذه المحبة تمييع لعقيدة البراء، وتضيعٌ لعقيدة الولاء. إذ يقتضي ذلك أن يستوي في المحبة والولاء مسلمهم وكافرهم، بَرّهم وفاجرهم، وهذا ما لا تقرُّه الشريعة.
إننا حين نحب أحداً من أبناء وطننا فإنما نحبه لأنه مسلم، لا لأنه مواطن. وحين نكره أحداً فلأنه كافرٌ، لا لأنه من وطنٍ آخر. ولكن محبتنا لأحدٍ ما لا تدفعنا إلى أن نسكت عن أخطائه أو نعينه على ظلمه. وكرهنا لأحدٍ بسبب كفره أو انتمائه لطائفة ضالّة ـ سواء كان من وطننا أو من غيره ـ لا يحملنا على أن نعتدي عليه، أو نبخسه حقه، أو نمتنع عن نصرته إذا ظُلِم.
والوحدة الوطنية تفرض فيما تفرضه حمايةَ حقوق الأقليات والتعايش معهم، وهذا حقٌ سبق أن دعا إليه الإسلام قبل أن يعرف الناس مفهوم الوطنية والمواطنة، ولكن حمايته لحقوق الأقليات لم تكن تعني إقرارهم على السخرية بشعائر الإسلام، أو سب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، أو المجاهرة بما يمنع الإسلام أن يُجاهر به بين المسلمين.
الوحدة الوطنية تصبح واجباً لا مناص منه حينما يتهدد البلاد خطر خارجي متمثل في تحالف صهيوني صليبي يريد أن يهيمن عليه ليسلب ثرواته وخيراته، وليجهز على ما تبقى فيه من قيم الإسلام وشعائره.
وإنما كانت حمايته لحقوقهم تعني عصمة أنفسهم وأموالهم، وتحريم الاعتداء عليهم واضطهادهم وإيذائهم، وهو يمنحهم حق ممارسة شعائر دينهم في بيوتهم وأحيائهم بشرط ألا يؤذوا مشاعر المسلمين، أو ينالوا من الإسلام بسوء، فليس لأحد حقٌ أن يسخر بشعيرة من شعائر الإسلام، أو يسعى بنشر الكفر والبدع بين المسلمين.