ويجب أن يعلم أنه ليس من السنة في دعاء القنوت أن يخرج عن سبب النازلة فيدعى على عموم الكفار بالموت والهلاك، والنازلة التي نزلت بالمسلمين هي الظلم والاعتداء عليهم بتدمير بلادهم وأخذ أموالهم وانتهاك حرماتهم، فالعلة في الدعاء على الكفار في النوازل هي تجدد الاعتداء والظلم على المسلمين، أما تكذيب الكفار لما جاء به الأنبياء وعداوتهم للمسلمين فهي ملازمة للكفر دوماً وأبداً، منذ كفر إبليس بربه وأهبطه من السماء إلى الأرض إلى قيام الساعة فوصف اليهود والنصارى بالكفر وصف كاشف لا ينتج الحكم وهو الدعاء عليهم بالهلاك، أما الظلم والاعتداء فهو الوصف المؤسس المنتج للحكم المذكور (القنوت) ، وسنة الله أن الكفار أكثر عدداً من المسلمين قال تعالى:"وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين"، وحديث:"يا آدم أخرج بعث النار فيخرج من كل مئة تسعة وتسعون"، وما ورد من آثار في الدعاء على الكفار من أهل الكتاب فيراد بهم المحاربون منهم للمسلمين، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أبطأ عليه خبر جيوش المسلمين قنت فكان مما قاله ذات مرة:"اللهم ألعن كفرة أهل الكتاب الذين يكذبون رسلك ويقاتلون أوليائك" فوصفهم بالكفر والتكذيب ليس جديداً وكونهم يقاتلون أولياء الله في عهده -رضي الله عنه- هي العلة المسببة للدعاء عليهم باللعنة والهلاك، ومن لم يقاتلنا لا ندعو عليه بل ندعو له بالهداية وهذا معنى قول الله "لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"[الممتحنة:٨] ، فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً، ومعنى ذلك أن من سالمنا سالمناه، ومن اعتدى علينا قاتلناه، أما منع ولي الأمر الناس من القنوت أصلاً فلا يجوز له ولا تلزم طاعته فيه، لأن القنوت في النازلة سنة نبوية ثابتة بدليلها الخاص وهي عبادة محضة فلا تدخل
تحت نظر ولي الأمر، فهي كتحية المسجد تتعين إذا حصل موجبها وهو الدخول، وسيأتي لهذا مزيد بيان قريباً.