فأما سؤالك عن عدم تفسير النبي -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، فيغلب على ظني أن الذي حملك على مثل هذا السؤال ما رأيت من اختلاف واسع بين المنتسبين إلى الإسلام، فظننت أنه لو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فسر القرآن كاملا لكان عصم الأمة من هذا الاختلاف، والجواب على هذا من جانبين:
أولهما: أن الاختلاف بين البشر سنة باقية، هي من لوازم وجودهم واجتماعهم، وهي قدر الله السابق، وله في ذلك الحكمة البالغة، والمشيئة النافذة، وهو تعالى يعلم أن هذا الاختلاف سيقع من الناس، ولو شاء لم يكن ذلك، وإنما أراد عز وجل ذلك؛ ليعلم بهذا من يطيعه ممن يعصيه، ويبتلي عباده لينظر من يعظم أمره ممن يتعداه، ولهذا خلق الإنس والجن، وأوجد الجنة والنار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب.
ولو طردنا هذا الذي تقول في مسألة اختلاف المسلمين، لجاز لنا أن نسأل: لم قدر الله اختلاف الناس أصلا، بين مؤمن وكافر، وبر وفاجر؟
ومتى أجبتَ عن هذا السؤال والإيراد، وبينت حكمة هذا الاختلاف، كان ما قلتَه هو الجواب عما استشكل عليك، ذلك أن الله -عز وجل- لو شاء لهدى الناس جميعا، فكانوا أمة واحدة، لا خلاف بينها، كما قال عز وجل:"وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ"[النحل:٩٣] ، ولكن الله -تعالى- أراد أن يبتلي عباده، ليعلم المؤمن من الكافر، والبر من الفاجر.
فمهما يكن من بذل للأسباب المانعة من الخلاف، فإنه لا بد أن يقع بين الأمة اختلاف وافتراق، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبوداود (٤٥٩٦) ، والترمذي (٢٦٤٠) وغيرهما، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة".