ثانيهما: يجب لفت نظرك الكريم، إلى أن الخلاف بين أهل الإسلام في فهم كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم -وإن كان واسعا- فإنه بحمد لله لم يوجب شقاقا ولا نزاعا؛ لأنه بقي في دائرة البحث العلمي والنظر الفقهي، الذي تتعدد فيه الرؤى وتتنوع الاعتبارات، وهؤلاء صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمة من القرون المفضلة، ثم من تبعهم من علماء المسلمين وأئمة الدين، لم يقع بينهم شقاق أو نزاع، يخرج عن دائرة الاجتهاد والنظر في فهم كلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لأنهم متفقون على أصول الاعتقاد، وأصول العبادة، وأمهات المسائل الشرعية، والخلاف الذي وقع بينهم سائغ في أصله، لم يوجب أن يضلِّل أو يُبَدِّع بعضهم بعضا.
وأما ما وقع فيه أهل البدعة والضلالة، الذين تأولوا كتاب الله على غير وجهه، فإن من المهم أن تعلم -أخي السائل- أن هذا الخلاف لم يكن من جهة غموض دلالة القرآن والسنة، وعدم فهم مراد الشارع فيهما، بل هم أناس اعتقدوا عقيدة بهوى أنفسهم، وبنوا عليها رأيهم، وأصَّلوا عليها أصولهم، ثم طلبوا الدليل لها، فلما أعياهم ذلك بدأوا يأولون كلام الله، ويحرفون الكلام عن مواضعه، ومن كانت هذه حاله فلن يردعهم عن ضلالهم تفسير النبي-صلى الله عليه وسلم- لجميع القرآن، ولو فعل، وخذ على سبيل المثال، من أنكر سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- جملة وتفصيلا، مقتصرًا على القرآن الكريم، ممن يسمون أنفسهم ـ كذبا ـ (قرآنيون) فهؤلاء يردون سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصلها، ولا يقبلون شيئا منها، وإن كانت ثابتة، فإذاً لو فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- كامل القرآن كلمة كلمة، لم يمنعهم ذلك من مخالفة المسلمين.