للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال آخر: تلك الفرق الباطنية المتعددة، التي تقوم أساسا على تفسيرات باطنية، تخالف الظاهر المدرك، ولا تجري على لغة العرب ونسقها، فضلا عن مخالفتها لإجماع علماء المسلمين، فمثل أولئك لابد أن يقع خلاف معهم، لأن أسس الاستدلال والفهم والالتزام غير مشتركة، فلابد أن تكون النتيجة غير متفقة.

وفي هذا السبيل الخلاف الذي أشرت إليه في سؤالك، بين أهل السنة والشيعة، فالخلاف بين الفريقين ليس خلافا في فهم آية من كتاب الله، أو استدلال بحديث من أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو فرع من فروع الشريعة، بل الخلاف معهم أعمق من هذا، إنه خلاف في أصول الاعتقاد، ومصادر التلقي، ومنهج الاستدلال، مما يجعل الخلاف منظومة فكرية كاملة، فلو كتب النبي -صلى الله عليه وسلم-، -كما تقول أنت- سنته كاملة، وضبطها وراجعها، لما أغنى ذلك في الخلاف مع الرافضة -وهم غلاة الشيعة- لأنهم يقدحون في كل الصحابة، إلا نفرا قليلا جدا، لا يبلغ العشرة منهم، فلو جئتهم بسنته مكتوبة، وقلت: هذا ما كتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لما قبلوها، زاعمين أن من كتبها ونقلها -وهم الصحابة -رضي الله عنهم- قد غيروا وبدلوا، بل هذا ما وقع فعلا في كتاب الله -وقد أشرت أنت إلى ذلك- فمع أنه كان قد كتب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحفظ وضبط، فلم يغن شيئا عند أهل الغلو منهم، فزعموا نقص القرآن وتحريفه.

وأما ما ذكرته من مسألة التلقي عن الصحابة والاحتجاج بأقوالهم، فهي مسألة أصولية بسطت في محلها من كتب الأصول ولها قيود وضوابط، ومن المهم أن تعلم أن الاحتجاج بأقوالهم، ليس لأنهم بشر مقدس لا يخطئ، بل هم يخطئون ويصيبون، ويؤخذ من قولهم ويرد، لا يختلف في ذلك أهل العلم، وإنما كان لأقوالهم في تفسير كلام الله تعالى مزية عن غيرهم لأمور، من أهمها:

<<  <  ج: ص:  >  >>