إن محمد بن فضيل، رواه عن حمزة الزيات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة، وخالفه ابن المبارك، فرواه عن حمزة عن سعد الطائي - الذي هو أبو مجاهد - حدثه، عن رجل، عن أبي هريرة فذكره بنحوه، ورواية ابن المبارك أرجح من وجهين:
الأول: أن ابن المبارك ثقة ثبت فقيه عالم - كما في التقريب (٣٢٠) ، وابن فضيل ليس في منزلته، على أن في روايته مخالفةً أخرى ـ كما سيأتي ـ.
الثاني: أن الرواة الآخرين عن أبي مجاهد رووه كذلك عنه عن أبي مدلة، فعاد حديث حمزة إلى رواية الجماعة.
وثمة مخالفة أخرى من ابن فضيل لابن المبارك في إسناده، وهو أن ابن فضيل قد أسقط الواسطة بين أبي هريرة وزياد الطائي، بينما رواه ابن المبارك بذكر الواسطة.
وقد سئل الدارقطني ـ كما في (العلل ١١/٢٣٥) ـ عن هذا الحديث فقال - بعد إشارته إلى الرواة عن أبي مجاهد الذين سبق ذكرهم -: "ورواه حمزة الزيات، عن سعد الطائي أبي مجاهد، وقال: عن رجل، عن أبي هريرة، وأحسبه لم يحفظ كنيته، فقال: عن رجل، وأراد أبا مدلَّة، والله أعلم، والحديث محفوظ" اهـ.
فالإمام الدارقطني، لم يشر إلى مخالفة ابن فضيل في إسناده، فكأنه لم يلتفت إليها، وإنما أشار إلى رواية ابن المبارك فحسب، وإلى هذا أشار الترمذي بقوله عن الطريق التي رواها ابن فضيل:" هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل، وقد روي هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدلَّة، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكأنه يقول - رحمه الله -: إن هذا هو المحفوظ في حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، وأن تسمية زياد وهْم، وبهذا يمكن أن تفسر كلمة الدارقطني بقوله: "والحديث محفوظ" أي من حديث أبي مدلة عن أبي هريرة، والله أعلم.
وإذا تبين أن مدار الحديث على أبي مجاهد، عن أبي مدلة، عن أبي هريرة، فقد حسنه الترمذي ح (٣٥٩٨) ،وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وحسنه ابن حجر - كما في "الفتوحات الربانية" لابن علان (٤/٣٣٨) -.