وهي آية الجزية، نزلت عام تبوك، حين لم يبق عربي مشرك محارب في الحجاز، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليغزو النصارى عام تبوك بجميع المسلمين ويدع الحجاز وفيه من يحاربه (ينظر مجموع الفتاوى لابن تيمية ١٩/٢٠) .
وقد أثبتت الآية لأهل الكتاب حق البقاء على دينهم بشرط دفع الجزية، فهي مخصِّصة لعموم قوله تعالى:"فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"..الآية [التوبة:٥] .
ثالثاً: حديث بريدة بن حصيب "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفّ عنهم: ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزيةَ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ... "الحديث وقد تقدم قريباً (سبق تخريجه) .
والحديث يدل على أن المشركين ـ سواء من عبدة الأوثان من العرب أو من غيرهم، كما يقتضيه عموم اللفظ ـ إذا أبوا الدخول في الإسلام واختاروا دفع الجزية فإنه يجب قبولها منهم والكف عنهم، ولا يجوز قتلهم، ولا إكراههم على الإسلام.
فعموم هذا الحديث يدل على أن المقصود بـ (المشركين) في ما يسمى بآية السيف "فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم.." هم المشركون الذين كانوا يحاربون النبي صلى الله عليه وسلم، وينقضون عهدهم.
أما حديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" فهو حديث صحيح ـ ولا شك ـ رواه البخاري (٢٥) ومسلم (٢٠) وغيرهما.
ولكن الحديث ليس على عمومه، وليس المقصود بـ (الناس) جميع الكفار، من المشركين وأهل الكتاب، بل هو من العام المخصوص.