وكيف يُعمل بعمومه؟ وقد قال الله:"قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ... حتى يُعطوا الجزية ... "الآية، وقال صلى الله عليه وسلم:"إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهنّ ما أجابوك فاقبل منهم، وكُفّ عنهم ... "الحديث (سبق تخريجه) .
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لمن قالوا بأن الجزية تؤخذ من كل كافر، لا من أهل الكتاب خاصة، جواباً لهم عن الاستدلال بعموم هذا الحديث، فقال (مجموع الفتاوى ١٩/٢٠) : (مراده قتال المحاربين الذين أذن الله في قتالهم، لم يرد قتال المعاهدين الذين أمر الله بوفاء عهدهم) أهـ.
وأجاب عنه ابن حجر بعدة أجوبة (فتح الباري ١/٩٧) ، فقال ـ مع بعض الاختصار ـ: (الجواب من أوجه, أحدها: دعوى النسخ بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث , بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى "فاقتلوا المشركين"، ... ثالثها: أن يكون من العام الذي أريد به الخاص , فيكون المراد بالناس في قوله " أقاتل الناس " أي: المشركين من غير أهل الكتاب , ويدل عليه رواية النسائي بلفظ " أمرت أن أقاتل المشركين " ... رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها التعبيرَ عن إعلاء كلمة الله وإذعان المخالفين, فيحصل في بعضٍ بالقتل وفي بعضٍ بالجزية وفي بعضٍ بالمعاهدة ... ) أهـ.
وأما حديث:"أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" أحمد (١٦٩١) والدارمي (٢٤٩٨) بلفظ "أخرجوا اليهود الحجاز من جزيرة العرب ... " فلا يدل على أن الكافر يرغم على الدخول في الإسلام، بل غاية ما يدل عليه ألا يؤذن لكافرٍ أن يستوطن جزيرة العرب.
أما بقاؤه فيها من غير قصد للاستيطان؛ كأن يقيم فيها لأجل العمل، أو للتجارة، أو للخدمة، فليس في الحديث ما يدل على النهي عن شيء من ذلك.