وهذا الحكم خاص بجزيرة العرب، أما غيرها من بلاد الإسلام مما فتحه المسلمون فلا يُخرج أهلها منها إن بقوا على الكفر، بل لهم أن يستوطنوها على أن يدفعوا الجزية مقابل حماية المسلمين لهم.
على أن بعض أهل العلم يرى أن الحديث وإن ورد فيه الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، إلا أن المراد بعض الجزيرة لا كلها، وهو الحجاز خاصةً، بدليل أن عمر رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء، وهي من جزيرة العرب، قال النووي في شرح مسلم (١٠/٢١٢- ٢١٣) عند شرح حديث إجلاء عمر لليهود من خيبر، وفيه:"فأجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء" قال: (وفي هذا دليل أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب إخراجهم من بعضها، وهو الحجاز خاصة؛ لأن تيماء من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز والله أعلم) أهـ.
وقال في (١١/٩٣-٩٤) : (وأخذ بهذا الحديث مالك، والشافعي وغيرهما من العلماء، فأوجبوا إخراج الكفار من جزيرة العرب، وقالوا: لا يجوز تمكينهم من سكناها، ولكن الشافعي خص هذا الحكم ببعض جزيرة العرب، وهو الحجاز، وهو عنده: مكة، والمدينة، واليمامة وأعمالها دون اليمن وغيره مما هو من جزيرة العرب، بدليل آخر مشهور في كتبه وكتب أصحابه) اهـ.
وقال ابن قدامة في "المغني" ١٣/٢٤٢-٢٤٤ ـ بعد أن ذكر رواية عن الإمام أحمد في (جزيرة العرب المدينة وما والاها) ـ:
(يعني أن الممنوع من سكنى الكفار به: المدينةُ وما والاها ـ وهو مكة، واليمامة، وخيبر، والينبع، وفدك، ومخاليفها، وما والاها ـ وهذا قول الشافعي ... فكأن جزيرة العرب في تلك الأحاديث أريد بها الحجاز، وإنما سمي حجازاً لأنه حجز بين تهامة ونجد، ولا يمنعون أيضا من أطراف الحجاز كتيماء وفدك ونحوهما؛ لأن عمر لم يمنعهم من ذلك) أهـ.