للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢) وآخر مدني- مع الأسف فرطنا به وأضعناه، فراح بعضنا يبكيه، والبعض الآخر جاهل به، معرض عنه كأنه لا يعنيه، أو ما يدري هؤلاء وأولئك أن جهلهم بأحكام أدى بهم إلى رهبانية كرهبانية النصارى؛ (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) . فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه، ولا يتناصحون فيما يصلح العباد والبلاد من أمور الحياة كالطب والهندسة، والصناعة، والزراعة، وسائر الخدمات الضرورية، ونتيجة جهلهم بالدين أخرجوها منه قولًا وفعلًا، وحصروه بمظاهر العبادة من صلاة وصيام، وصدقة، وإحسان، بل راح بعض الناس نتيجة جهله ينظر إلى أن كثرة ورود النصوص الشرعية في موضوع ما، وقلتها في موضوع آخر تدل على أهمية هذا على ذاك، وتقديمه عليه لكثرة ما ورد فيه من نصوص؛ كالجهاد في سبيل الله ورد فيه من النصوص الشرعية من القرآن والسنة ما يكاد يساوي أو يزيد على ما ورد في الصلاة والزكاة، مع أنهما من أركان الإسلام، وإذا كانت الصلاة عماد الدين فإن الجهاد فرع عنها لا يصح إلا بها، وأيضًا لو كانت الكثرة والقلة مقياسًا للأهمية لكان السواك للناس أهم من الشورى، ومعرفة المواريث أهم من دراسة الطب، وإعفاء اللحية أولى من الزراعة والصناعة، وهكذا، فالشورى والطب والهندسة والصناعة، والزراعة لم يرد فيها من النصوص الشرعية مجتمعة عشر ما ورد في صدقة التطوع، مع أن تعلم مثل هذه الفنون وتعليمها من فروض الكفاية، لو أجمع أهل بلد على ترك واحد منها وجب على الحاكم الشرعي قتالهم، بخلاف لو تركوا صدقة التطوع، لقد بلغت الحماسة والغيرة عند الشباب مبلغها حتى غطت على العقل والروية- أو كادت- فراحوا يأخذون بفتاوى العلماء السابقين، وكأنهم يعيشون تحت ظل الخلافة الراشدة أو بعدها حين كان هارون الرشيد يخاطب السحابة: (أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك) . ونسوا أنهم يعيشون زمن الضعف والفرقة، ففي كل شبر من المعمورة أمير للمؤمنين ومنبر، إن أول ما يصطدم به هؤلاء الشباب إغلاق الحدود

<<  <  ج: ص:  >  >>