وقد ذكر الله -تعالى- ثلة من الأنبياء والمرسلين في مقام المدح والتشريف، فذكر من صفاتهم البر بوالديهم، فقال عن يحيى -عليه السلام-: "يا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وَحَنَانًا من لَّدُنَّا وَزَكَواةً وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً"[مريم: ١٢-١٤] ، وقال عن عيسى -عليه السلام-: "قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً"[مريم: ٣٠-٣٢] ، ويقول ابن مسعود - رضي الله عنه-: (من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم- التي عليها خاتمه فليقرأ:"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ*وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"[الأنعام:١٥١-١٥٣] رواه الترمذي (٣٠٧٠) وغيره، وقد جاءت عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم- في ذلك أحاديث كثيرة في هذا الشأن، فمن ذلك: ما جاء في الحديث عن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: (سألت النبي - صلى الله عليه وسلم-: أي العمل أحب إلى الله -عز وجل-؟ قال:"الصلاة على وقتها"، قال: ثم أي؟ قال:"ثم بر الوالدين"، قال: ثم أي؟ قال:"الجهاد في سبيل الله" رواه البخاري (٥٢٧) ، ومسلم (٨٥) . وبين صلى الله عليه وسلم أن عقوق الوالدين من الكبائر، كما جاء في البخاري (٥٩٧٣) ، ومسلم (٩٠) واللفظ له عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال:"إن من الكبائر شتم الرجل والديه"، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال:"نعم يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه". وعقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. ويقول بعض السلف: (لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً، ثم قرأ "وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً"[مريم: ٣٢] .