أما تسجيل جدتك أملاكها باسم والدك، وتخصيصها له دون بقية بناتها اللواتي هن عماتك؛ لمعنى يختص به، وهو أنه بارٌ بها، فأقول: الأصل أنه يجب -على الصحيح من أقوال أهل العلم- تسوية الإنسان بين أولاده في العطية ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، اقتداء بقسمة الله -تعالى-، وقياساً لحال الحياة على حال الموت ـ وهذا كله إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل، كأن يكون أحد ولده محتاجاً للمال أكثر من الآخر، إما لمرضه، أو لفقره، أو لصلاحه وبرّه، ونحو ذلك.
أما إن خص بعضهم بعطيته، أو فاضل بينهم فيها ـ والحالة أنه لم يوجد سبب يبيح التفضيل ـ أثم المعطي، ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين: إما رد ما فضل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر، وهو مذهب الإمام أحمد، وصرح به البخاري، وبه قال ابن المبارك، وطاووس، والثوري، وإسحاق، وقال به بعض المالكية؛ لما روى النعمان بن بشير - رضي الله عنهما- قال: (تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة-رضي الله عنها- لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فجاء أبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ليشهده على صدقته، فقال:"أكل ولدك أعطيت مثله؟ " قال: لا، قال صلى الله عليه وسلم:"فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة، وفي لفظ: قال: "فأرجعه"، وفي لفظ: قال: "فاردده"، وفي لفظ:"سوِّ بينهم" متفق عليه عند البخاري (٢٥٨٧) ، ومسلم (١٦٢٣) فالحديث فيه دليل على التحريم؛ لأنه سماه جوراً، وأمر برده، وامتنع من الشهادة عليه، والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن ذلك يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه، فإن خص المعطي بعض ولده لمعنى يقتضي تخصيصه مثل ما سبقت الإشارة إليه، أو صرف الوالد عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته، أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها، فقد روي عن الإمام أحمد ما يدل على جواز ذلك؛ لقوله في تخصيص بعض الولد بالوقف: لا بأس به، إذا كان لحاجة، وأكرهه إذا كان على سبيل الأثرة، والعطية في معناه ـ أي: تأخذ حكم الوقف في هذا. لما رواه الإمام مالك في الموطأ (١٤٧٤) بإسناد صحيح أن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان أبو بكر - رضي الله عنه- نحلني جَادَّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة جلس فاحتبي ثم تشهد ثم قال: أما بعد، أي بنية، ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك، ولا أعز علي فقراً بعدي منك، وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقاً، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله.