فإن تعظيم القبور واتخاذها مزارات والطواف حولها وسؤال الموتى وتقديم القرابين لهما.. وما جرى مجرى ذلك من الأعمال المنكرة، والبدع المحدثة.. هذه الأفعال قديمة في الأمم. وقد حذر منها الأنبياء - نوح فمن بعده عليهم الصلاة والسلام- وهذا أمر معروف فساده لمن سلمت فطرته، وأسلم وجهه وقلبه لخالقه على الحقيقة قال تعالى:"قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" وقد ثبت النهي عن تعظيم القبور واتخاذها مساجد وسؤال الأموات في نصوص كثيرة.. وليس الغرض هو إثبات ذلك. ولكن الغرض هو في فقه التعامل مع هذا المنكر العظيم والشرك الوبيل. وتعلمون وفقكم الله أن المقصد الأعظم من الدعوة وإنكار المنكرات هو إزالتها أو تقليلها قدر الإمكان بحيث يكون حال الناس بعد الإنكار والدعوة أحسن من حالهم قبل ذلك. وحول هذا القصد يدور الحكم وتتنزل مراتب الإنكار من الوجوب المتعين، إلى التحريم والامتناع.. وما بين ذلك، وقد علم بالتجربة والمشاهدة شدة تعلق عامة الجهلة من المسلمين بهذه البدع، واعتقادهم أن ما يفعلونه هو مما يقربهم إلى الله زلفى، تماماً كما كان المشركون يظنون ذلك. وهذا كله بفعل دعاة السوء ممن ينتسب إلى العلم ويدعيه، فهم سنّوا للجهلة هذه الأباطيل وزينوها في أنفسهم، وفعلوها وأفتوا بجوازها بل بمشروعيتها وجعلوا لها الأوراد والأوقات، يتكسبون بذلك ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، حتى تلقى الناس عنهم هذا المنكر بالقبول، وجعلوا من علماء السوء حجة لهم وواسطة يخاصمون أهل الحق بهم، يقولون: لو كان هذا الفعل باطلاً أو شركاً لم يفعله فلان وفلان، وهم أعلم منكم وأعرف بالحلال والحرام - يظنون ذلك - والشيطان يوقع على ألسنتهم ويؤزهم لنصرة هذه البدع والدفاع عنها.. وبسبب ذلك اختلط الأمر على عامة المسلمين الذين حيل بينهم وبين معرفة التوحيد الحق فزهدوا فيه وأعرضوا عنه وأقبلوا على الشرك وعظموه وقدّسوا دعاة الباطل ونصروهم، واستوحشوا من دعاة الحق وحاربوهم، وهذا في كثير من بلاد المسلمين، وفي قديم الدهر وحديثه.. ولم يزل دعاة الحق من أهل السنة والجماعة يبينون للناس الحق بالدليل والبرهان، وبالإقناع وبالصبر والمصابرة والحكمة، ولم يعرف عن علماء المسلمين وأهل الفقه والبصيرة منهم أنهم تجاهلوا واقع الناس من الجهل والغوغائية فأقدموا على أعمال تثير عامة الناس كهدم القباب ونبش القبور وهدم المساجد المبنية عليها إلا بتحقق شروط وانتفاء موانع. منها:- أولا:- أن يكون لأهل السنة سلطة وقوة يستطيعون بها التنفيذ، ويمتنعون بها من الأذى، وهذا لا يتحقق غالباً إلا إذا كانوا هم أهل السلطة وبيدهم الحكم، فإن إزالة هذه المنكرات ليس بالأمر الهين، وهو من الإنكار باليد في أمر عام وهذا لا يتيسر عادة إلا في ظل سلطة وقوة.