ومما يدل على قلتهم في أواخر العهد النبوي، بل وفي أواخر عهد الخلفاء الثلاثة -أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- ما رواه البخاري في صحيحه (٤٦٥٨) في كتاب التفسير، باب: فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم، من طريق زيد بن وهب، قال: كنا عند حذيفة -رضي الله عنه-، فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية -أي التي بوب عليها البخاري- إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- تخبروننا، فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعة، أحدهم شيخ كبير، لو شرب الماء البارد لما وجد برده.
وحذيفة -رضي الله عنه توفي- بعد عثمان -رضي الله عنه- بأربعين ليلة، كما يقول الذهبي في "السير"(٢/٣٦٤) .
رابعاً: أن تعيينهم يعني الحكم على أعيانهم بالكفر الأكبر، وهذا فيه خطورة كبيرة؛ للأدلة الكثيرة في التحذير من تكفير المسلم بغير برهان ظاهر، وتأكدٍ من انتفاء الموانع التي توجب الحكم عليه بالكفر.
والحذر يكون أكثر خصوصاً في باب النفاق -الذي يخفى أمره على أكثر الناس- من جهة أن المنافقين معدودون في جملة المسلمين، وتجرى عليهم أحكام الإسلام في الظاهر، كما هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك.
خامساً: أن لهؤلاء العلماء -رحمهم الله- أسوة وقدوة في المنهج الإلهي الذي سلك سبيل التحذير منهم بأوصافهم، وعلاماتهم، لا بأسمائهم.
وإذا كان الله تعالى -وهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء-لم يعينهم بأسمائهم، فكيف يطالب المخلوق -ولله المثل الأعلى- الذي يقصر علمه، وفهمه، وتتنازعه أنواع من الضعف البشري بحصرهم، وذكر أسمائهم؟
وهذا من تمام حكمة الله، إذ لو عينوا لظن غيرهم أنهم ليسوا كذلك، بل بقي الأمر مربوطاً بصفات، وعلامات حتى يحذرها المؤمن، ويخافها، والله تعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.