للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما نصوص آيات العلو فأكثر من أن تحصر، ومنها قوله تعالى: "أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ... " [الملك:١٦] ولم يقل سبحانه: أأمنتم من في كل مكان، أو من لا في مكان، كما تدعي المنكرة، وكذلك قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب ... " [فاطر:١٠] فهل الصعود إلا إلى العلو؟ وكذلك: "تعرج الملائكة والروح إليه" [المعارج:٤] والعروج لا يكون إلا إلى العلو، وكذلك: "تنزيل الكتاب" [السجدة:٢] من العلو إلى الأسفل وغيرها من النصوص التي لا تحصى، ثم إن دعوى أن الله لا في مكان فهذه لا يوصف بها إلا العدم، ومن قال بذلك يلزمه القول بنفي وجود الله تعالى، وكذلك ثبت في الحديث الصحيح عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لما سأل الجارية أين الله؟ قالت: في السماء، قال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال – صلى الله عليه وسلم-: اعتقها فإنها مؤمنة" رواه مسلم (٥٣٧) من حديث معاوية بن الحكم السلمي – رضي الله عنه -، فهذا إقرار من النبي –صلى الله عليه وسلم- للجارية على جوابها، ولو كان لا يجوز أن يقال إن الله في السماء لما أقرها على جوابها، ولا يجوز عليه – صلى الله عليه وسلم- تأخير البيان وقت الحاجة.

والمراد بقولنا: في السماء، ليس معناه أن شيئاً من مخلوقاته يحويه سبحانه وتعالى، ولكن المراد بـ (في) هنا بمعنى (على) كما في قوله تعالى: "يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون" [النحل:٥٠] ، وقوله تعالى: "وهو القاهر فوق عباده" [الأنعام:١٨] ، فقولنا: الله في السماء بمعنى في العلو أو على السماء، وكذلك قولنا باستواء الله على العرش فهو استواء يليق بجلاله تعالى كما أخبرنا به عن نفسه سبحانه، وقد قال تعالى: "قل أأنتم أعلم أم الله" [البقرة:١٤٠] ، ولا يدل ذلك على أن شيئاً من مخلوقاته يحويه أو أنه محتاج إليه أو نحو ذلك من لوازم استواء المخلوقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>