وقد رافق الوعد في القرآن بتجلي دلائل التوحيد فيض من التفصيلات العلمية مع دعوة صريحة للنظر في الكون، واستجوابه عن عجائب القدرة وبديع الصنع ودلائل الوحدة، والنظم المقدرة وبينات القصد منذ بَدء الخلق، مما يؤكد تناوله لنفس موضوعات العلوم الطبيعية اليوم, لأن الله تعالى لا يأمر بالتطلع والتأمل والنظر إلا إلى ما يمكن أن يبلغه علم المخاطبين أو يدركه النظر, وذلك كقوله تعالى:"قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"[يونس: ١٠١] , وقوله:"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا"[ق:٦] , وقوله:"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ"[العنكبوت: ٢٠] , وهذه النصوص الكريمة تؤكد أن العلم بخلق الله طريق إلى معرفة الله, وهذا العلم أيضا تأهيل لإدراك صدق ما كشفه القرآن الكريم من أسرار الخلق بينة على التنزيل وصدق الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم-، ولعل هذا يفسر ربط القرآن الكريم بين أدلة صدق حديثه وبين الأمر إلى التطلع في الكون وإدراك خفايا الخلق, كما قال تعالى:"أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ"[الأعراف: ١٨٥] .
لقد جعلت البشرية اليوم العلم بخلق الله سبيلا إلى معرفة الحق فإذا بها على موعد مع المعجزة الخالدة، وإذا ببينات الوحي والتوحيد في القرآن الكريم تتفجر في عصر العلم, وهكذا تسطع بين أيدينا اليوم بينة الوحي المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم-بما نزل فيه من علم إلهي بين أسرار الكائنات.
إن العلم بخلق الله سبيل إلى معرفة الله، وطريق لبيان إعجازه في كشف خفايا الخلق، والتي جاءت الكشوف العلمية بعد قرون لتعترف بصدقها وتقر بها جميعا بينة على التوحيد وصدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم-، يقول العلي القدير:"لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ"[النساء: ١٦٦] .
قال ابن كثير: (أي فيه علمه من البينات والهدى، وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل.
ومثله قوله تعالى:"فاعلموا أنما أنزل بعلم الله"[هود: ١٤] , وقوله تعالى:"وبالحق أنزلناه وبالحق نزل"[الإسراء: ١٠٥] : أي متضمنا للحق، متضمناً علم الله.
قال الألوسي: (أي متلبسا بعلمه المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.