إن عذب الله الكفار ولم يدخلهم الجنة وأدخلهم النار فهذا هو العدل بل غاية العدل،:"لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون"[الحشر:٢٠] ، ثم أخبر عن تفريقه بين عاقبة سعي المحسن وعاقبة سعي المسيء فقال:"فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى"[الليل: ٥-١٠] ، فتضمنت الآيتان ذكر شرعه وذكر الأعمال وجزائها وحكمة القدر في تيسير هذا لليسرى وهذا للعسرى، والعبد ميسر بأعماله لغاياتها "ولا يظلم ربك أحدا"[الكهف من الآية: ٤٩] ، وذكر للتيسير لليسرى ثلاثة أسباب أحدها إعطاء العبد وحذف مفعول الفعل إرادة للإطلاق والتعميم أي: أعطى ما أمر به وسمحت به طبيعته وطاوعته نفسه، وذلك يتناول إعطاءه من نفسه الإيمان والطاعة والإخلاص والتوبة والشكر، وإعطاءه الإحسان والنفع بماله ولسانه وبدنه ونيته وقصده، فتكون نفسه نفساً مطيعة باذلة لا لئيمة مانعة فالنفس المطيعة هي النافعة المحسنة التي طبعها الإحسان وإعطاء الخير اللازم والمتعدي فتعطي خيرها لنفسها ولغيرها فهي بمنزلة العين التي ينتفع الناس بشربهم منها، وسقي دوابهم وأنعامهم وزرعهم، فهم ينتفعون بها كيف شاءوا فهي ميسرة لذلك وهكذا الرجل المبارك ميسر للنفع حيث حل فجزاء هذا أن ييسره الله لليسرى كما كانت نفسه ميسرة للعطاء.
السبب الثاني: التقوى وهي اجتناب ما نهى الله عنه وهذا من أعظم أسباب التيسير وضده من أسباب التعسير فالمتقي ميسرة عليه أمور دنياه وآخرته، وتارك التقوى وإن يسرت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى، وأما تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله لكان تيسيرها عليه أتم ولو قدر أنها لم تتيسر له فقد يسر الله له من الدنيا، ما هو أنفع له مما ناله بغير التقى فإن طيب العيش ونعيم القلب ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا.