فهذا حكم الله وحكمته في خلقه وأمره ونهيه وعقابه، فإن الناس تنازعوا في معنى هذا الظلم تنازعاً صاروا فيه بين طرفين متباعدين، ووسط بينهما وخيار الأمور أوساطها وذلك بسبب البحث في القدر ومجامعته للشرع، إذ الخوض في ذلك بغير علم تام أوجب ضلال عامة الأمم، ولهذا نهى النبي – صلى الله عليه وسلم- أصحابه عن التنازع فيه.
"أولما أصابتكم مصيبةٌ قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم"[آل عمران: ١٦٥] ، وهذا لأن الله محسن عدل كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل فهو محسن إلى العبد بلا سبب منه تفضلاً وإحساناً ولا يعاقبه إلا بذنبه وإن كان قد خلق الأفعال كلها لحكمة له في ذلك فإنه حكيم عادل يضع الأشياء مواضعها، "ولا يظلم ربك أحدا"[الكهف من الآية: ٤٩] ، وإذا كان غير الله يعاقب عبده على ظلمه وإن كان مقراً بأن الله خالق أفعال العباد وليس ذلك ظلماً منه فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلماً منه وإذا كان الإنسان قد يفعل مصلحة اقتضتها حكمته لا تحصل إلا بتعذيب حيوان ولا يكون ذلك ظلماً منه فالله أولى أن لا يكون ذلك ظلماً منه.
فقد جوز منكراً لا يصلح أن يضاف إلى الله –تعالى- فإن قوله:"أفنجعل المسلمين كالمجرمين"[القلم: ٣٥] ، استفهام إنكار فعلم أن جعل هؤلاء مثل هؤلاء منكر لا يجوز أن يظن بالله أنه يفعله فلو كان هذا وضده بالنسبة إليه سواء جاز أن يفعل هذا وهذا.
وقوله:"ساء ما يحكمون"[الأنعام: ١٣٦] ، دل على أن هذا حكم سيئ والحكم السيئ هو الظلم الذي لا يجوز، فعلم أن الله –تعالى- منزه عن هذا ومن قاله إنه يسوي بين المختلفين فقد نسب إليه الحكم السيئ، وكذلك تفضيل أحد المتماثلين بل التسوية بين المتماثلين والتفضيل بين المختلفين هو من العدل والحكم الحسن الذي يوصف به الرب -سبحانه وتعالى-.