ولذا يقول الدكتور ميلر المبشر السابق:(قبل بضع سنوات وصلتنا قصَّةٌ إلى تورونتو بكندا عن رجلٍ كان بحَّاراً في الأسطول التجاريّ أعطاه أحد المسلمين ترجمةً لمعاني القرآن الكريم ليقرأها، ولم يكن هذا البحَّار يعرف شيئاً عن تاريخ الإسلام لكنَّه كان مهتمّاً بقراءة القرآن الكريم, وعندما أنهى قراءته عاد إلى المسلم وسأله: هل كان مُحمَّد هذا بحَّاراً؟ , فقد كان الرجل مندهشاً من تلك الدِّقَّة الَّتي يصف بها القرآن البحر, وعندما جاءه الرد بالنفي أعلن إسلامه, لقد كان مُتأثِّراً بالوصف القرآنيِّ للأسرار البحريَّة, فالوصف الَّذي جاء في القرآن عن البحر لم يكن شيئاً يستطيع أن يكتبه أيُّ كاتبٍ من محض خياله, وظلمات البحر العميق والموج الَّذي من فوقه موجٌ من فوقه سحاب لم يكن شيئاً يمكن لأحدهم تخيُّله، بل إنَّه وصفٌ دقيق مصدره من يعرف حقاًّ كيف هو الواقع, ولا يمكن نسبة تلك المعرفة لمحمد –صلى الله عليه وسلم- نفسه ولا لبشر سواه, هذا مثل واحد على أنَّ هذا القرآن لا يمكن أن يكون مصدره قبل أربعة عشر قرناً مضت غير الله الخالق سبحانه وتعالى نفسه) .
ويضيف الدكتور ميلر قائلاً:"الآن نأتي إلى الزعم الرخيص لتفسير دلائل نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- بأن الشياطين هي التي تعينه، والله تعالى يقول: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ" [النحل: ٩٨] , أرأيتم! , كيف يمكن أن يؤلف الشيطان كتابا ثم يقول قبل أن تقرأ هذا الكتاب عليك أن تتعوذ مني!! , إن في هذه الآية رد منطقي لكل من قال بهذه الشبهة, وهناك قصَّةٌ مشهورة في الإنجيل تذكر كيف أنَّ بعض اليهود كانوا شهوداً حين أقام عيسى -عليه السلام- ميتاً فقام الرَّجل ومشى في طريقه, وحين رأوا المشهد قال بعض الشُّهود من اليهود مُنْكِرِيْن (هذا هو الشيطان, الشيطان هو الَّذي ساعده) , وهذه القصَّة تلقى الآن كثيراً للموعظة في الكنائس في جميع أنحاء العالم، والنَّاس يذرفون دموعاً غزيرةً لسماعها قائلين (آه لو كنت هناك فما كنت لأكون غبيّاً مثل اليهود) , ومع هذا فإنَّ هؤلاء النَّاس يفعلون ما فعله اليهود تماماً حين يُعرض عليهم شيءٌ من دلائل نبوة محمد –صلى الله عليه وسلم- وكل ما يستطيعون قوله هو (الشيطان فعل ذلك, الشيطان هو الَّذي ألَّف هذا الكتاب) لأنَّهم حينئذ قد حُشِروا في الزَّاوية وحين لا يملكون أيَّ إجابةٍ مقبولة فإنَّهم يلجأون إلى أرخص مهرب يظنونه متاحا لهم, ولكن الموسوعة الكاثوليكيَّة الجديدة تُصرِّح بنزاهة قائلة:(عبر القرون الماضية قُدِّمت نظريات كثيرةٌ عن أصل القرآن واليوم لا يوجد إنسانٌ عاقل يقبل بأيٍّ منها) , ومؤكَّدٌ أنَّهم قد استنفذوا كل النظريات لإنكاره ولم يستطيعوا إيجاد دليل واحد على أنَّه ليس وحيا من الله تعالى، وبديهي أن يسبب هذا التصريح للمسيحي المقلد وعكة، لكنه قد لا يملك أن يكون حراً في القرار مناقضاً للخضوع الَّذي تطلبه الكنيسة بلا سؤال, وقد قام حديثا هانز أحد قادة الكنيسة بدراسة القرآن وأعلن رأيه بجسارة الباحثين الشرفاء قائلا:(إن الله قد كلم الإنسان من خلال محمد) , هذا بالتأكيد شيءٌ للتأمُّل لأولئك الَّذين يعقلون".