وتاريخ الثورة العلمية الحديثة يكاد ألا يتجاوز القرون الثلاثة الأخيرة، ولم يسجل التاريخ للشيطان اكتشافا واحدا في مجال العلوم الطبيعية، حيث سادت الخرافات قبل تلك الفترة, والحقائق العلمية المكتشفة حديثا نتاج جهود بشرية يعرف تاريخ الاكتشاف أصحابها ولا يوجد في سجلاته ذكرٌ لكلمة الشيطان فليست من مفردات العلوم الطبيعية, وربما تبرأ الشيطان نفسه من كثير مما ينسب إليه من مزاعم بلا دليل مثلما جعلوه سببا للأوبئة قبل اكتشاف الجراثيم, وإذا بحثت في المدونات التي تسبق القرآن كذلك فلن تجد من مهامه إحراز السبق في مجال اكتشاف الحقائق العلمية، وإنما بث أفكار سوء تتسلط على الإنسان لتضليله ودفعه لارتكاب الشرور, واقترن اسمه في كثير من الثقافات بالغواية والرذيلة والكذب والتلفيق والخداع والتزييف والباطل, وكان وراء كل إثم يرتكبه الإنسان والرائد في طمس الحقائق, فهل تاب وانعكست وظيفته رأسا على عقب فارتضى أن تنسب إليه حقائق في القرآن لم يدركها أحد إلا بعد حوالي عشرة قرون لكي يدعم النبوة الخاتمة؛ أم أن هذا شاهد عيان على أن الشيطان لم يقدم استقالته بعد في التضليل والافتراء لطمس الدليل!.
وهل يليق بمحقق نزيه أن يقبل بأن تلك الشياطين المسخرة للنبي سليمان -عليه السلام- خاصة قد نجحت أن تخدعه نفسه وتخفي عنه تلك الحقائق العلمية المبهرة التي فاض بها القرآن متفردا، فلم يرد لها ذكر قط في أي مدونة تسبقه! , وكيف تعلم بحقائق الكون وتجهل مجرد موته فتظل تمارس مهام السخرة قائمة بأرقى صناعات عصره, يقول العلي القدير:"وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السّعِيرِ. يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رّاسِيَاتٍ اعْمَلُوَاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ. فَلَمّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلّهُمْ عَلَىَ مَوْتِهِ إِلاّ دَابّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمّا خَرّ تَبَيّنَتِ الْجِنّ أَن لّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ"[سبأ: ١٢-١٤] ، ويقول تعالى:"وَالشّيَاطِينَ كُلّ بَنّآءٍ وَغَوّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرّنِينَ فِي الأصْفَادِ"[ص: ٣٧- ٣٨] ، فكيف ينبغي بعمال تحت سوطه وفي ظل مهابته إن كانوا حقا مهرة في غير تلك الصناعات أن يفوقوه علما ويخفوا عنه سرا!.