للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووضع الجريدة على القبر عند الدفن ثابت في حديث ابن عباس، رضي الله عنهما- المتفق عليه: " ... لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" صحيح البخاري (١٧٩) ، وصحيح مسلم (٢٩٢) . واختلف العلماء قديمًا وحديثًا، هل وضع الجريدة على القبر قضية عين خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم- أم هي عامة لكل أحد؟ فالإمام البخاري يرى عدم الخصوصية، فذكر في صحيحه: (باب الجريدة على القبر) ، ثم قال: وأوصى الصحابي بُرَيْدَةُ الأَسْلَمِيُّ، رضي الله عنه، أن يُجعَلَ على قبره جريدتان. وقال ابن بطال في شرحه للبخاري: "وخُصت جريدتا النخل لأنهما أطول الثمار بقاء، فتطول مدة التخفيف عنهما، وهي شجرة شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمؤمن- انظر صحيح البخاري (٦١) ، وصحيح مسلم (٢٨١١) . وقيل إنها خلقت من فضلة طينة آدم، وإنما أوصى بريدة الأسلمي، رضي الله عنه، بالجريدتين تأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتبركًا بفعله ورجاء أن يخفف عنه.

وقال الحافظ بن حجر في الفتح: لا يلزم من كوننا لا نعلم أيعذب الميت أم لا؟ ألا نتسبب له في أمر يخفف عنه العذاب لو عذب، كما لا يمنع كوننا لا ندري أرحم أم لا؟ ألا ندعو له بالرحمة.

فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الاختيارات: في غرس الجريدتين نصفين على القبرين أن الشجر والنبات يسبح ما دام أخضر، فإذا يبس انقطع تسبيحه، والتسبيح والعبادة عند القبر مما يوجب تخفيف العذاب.

أما الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- فهو يخالف من سبقه ممن ذكرنا، فيرى خصوصيتها بالرسول صلى الله عليه وسلم، لا تتعداه إلى غيره، وهكذا جرى اختلاف العلماء في وضع الجريدة علامة على القبر، أو طلبًا لتخفيف العذاب عن صاحبه، فالأمر فيه سعة، والحمد لله؛ لأنها من مسائل الاجتهاد، ولو لم تكن من مسائل الاجتهاد لم يقع فيها الخلاف، ثم إن مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، قال سفيان الثوري: إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه، وأنت ترى غيره فلا تنهه. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: مسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد؛ فإن هذا من فعل أهل الجهل والأهواء. ويقول ابن القيم: إذا لم يكن في المسألة سنة، ولا إجماع ثابت، وللاجتهاد فيه معاني لم ينكر على من عمل بها مجتهدًا أو مقلدًا.

وخلاصة الجواب: أن وضع العلامات على القبور، وتنوعها وتعددها- كما ذكر في السؤال- أمر جائز ليتميز بها القبر، ويعرف فيزار، ويسلم عليه، والقول بالتبديع في وضع العلامات على القبور هو عين البدعة، بل هي أمر مشروع ما لم يعتقد فاعلها بها اعتقادًا مخالفًا للشرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>