وكما في أحاديث الطائفة المنصورة وبقائها في الأمة إلى قيام الساعة، ومن ذلك حديث معاوية –رضي الله عنه- سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول:"لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك". أخرجه البخاري (٣٦٤١) ومسلم (١٠٣٧) .
وحديث ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك". أخرجه مسلم (١٩٢٠) .
وكذلك أحاديث المهدي التي أخرجها أبو داود وغيره من أئمة الإسلام، وكما في أحاديث نزول المسيح عيسى ابن مريم -صلوات الله وسلامه عليه- وهي أحاديث ثابتة في الصحيح.
وفي ضوء هذه الأحاديث مجتمعة ينبغي أن يفهم حديث أنس –رضي الله عنه- الوارد في السؤال على أحد الوجوه التالية:
الوجه الأول: أن ذلك محمول على الأكثر الأغلب، وعلى ذلك حمله الحسن البصري –رحمه الله- فإنه سئل عن وجود عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس.
الوجه الثاني: أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر، ومن أمثلة ذلك أن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة أحياء، وفي عصر عمر بن عبد العزيز وهو أفضل من عهد الحجاج انقرضوا، والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده، لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "خير الناس قرني". وهو في الصحيحين [البخاري (٣٦٥١) ، ومسلم (٢٥٣٣) ] . وقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". أخرجه مسلم (٢٥٣١) .
الوجه الثالث: ما حكاه الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن بطال أنه قال: وجدت عن عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع، فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة، لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده، ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله، فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فعند ذلك يهلكون، ومن طريق أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود ... إلى قوله: شر منه، قال: فأصابتنا سنة خصب، فقال: ليس ذلك أعني، إنما أعني ذهاب العلماء، ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه، قال: لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشر مما كان قبله، أما أني لا أعني أميرا خيرا من أمير، ولا عاما خيرا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تجدون منهم خلفا، ويجيء قوم يفتون برأيهم. وفي لفظ عنه من هذا الوجه: وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها، ولكن بذهاب العلماء، ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه.
الوجه الرابع: ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم.