قال الشنقيطي -رحمه الله-: الذي يظهر لي في هذه المسألة أن الزوج إذا استأذنته امرأته في الخروج إلى المسجد وكانت غير متطيبة، ولا متلبسة بشيء يستوجب الفتنة.. أنه يجب عليه الإذن لها، ويحرم عليه منعها للنهي الصريح منه –صلى الله عليه وسلم- عن منعها من ذلك، وللأمر الصريح بالإذن لها، وصيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب،.. وصيغة النهي كذلك تقتضي التحريم وقد قال تعالى:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[النور:٦٣] وقال –صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" إلى غير ذلك من الأدلة ... فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه لما حدث عن النبي –صلى الله عليه وسلم- بالحديث الذي ذكرنا عنه في أمر الأزواج بالإذن للنساء في الخروج إلى المساجد، وقال ابنه: لا ندعهن يخرجن. غضب، وشتمه، ودفع في صدره منكراً عليه مخالفته لأمر النبي –صلى الله عليه وسلم-، وذلك دليل واضح على اعتقاده وجوب امتثال ذلك الأمر بالإذن لهن.
٢-وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله: هل على النساء من جهاد؟! قال:"نعم عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" رواه أحمد (٢٤١٥٨) وابن ماجه (٢٩٠١) ، قال المجد في المنتقى: إسناده صحيح، وقال ابن القيم: إسناد على شرط الصحيحين.
-وأخرج البخاري (١٥٢٠) عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟! فقال:"لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور".
قال ابن حجر: قال ابن بطال: زعم بعض من ينقص عائشة في قصة الجمل أن قوله تعالى: "وقرن في بيوتكن" يقتضي تحريم السفر عليهن. قال: وهذا الحديث يرد عليهم؛ لأنه قال:"لكن أفضل الجهاد "، فدل على أن لهن جهادا غير الحج، والحج أفضل منه أهـ.
ويحتمل أن يكون المراد بقوله:"لا"، في جواب قولهن: ألا نخرج فنجاهد معك، أي: ليس ذلك واجبا عليكن، كما وجب على الرجال، ولم يرد بذلك تحريمه عليهن، فقد ثبت في حديث أم عطية أنهن كن يخرجن فيداوين الجرحى، وفهمت عائشة ومن وافقها من هذا: الترغيب في الحج وإباحة تكريره لهن، كما أبيح للرجال تكرير الجهاد، وخص به عموم قوله:"هذه ثم ظهور الحصر"، وقوله تعالى:"وقرن في بيوتكن"، وكأن عمر كان متوقفا في ذلك ثم ظهر له قوة دليلها، فأذن لهن في آخر خلافته، ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضا، وقد وقف بعضهن عند ظاهر النهي كما تقدم، وقال البيهقي: في حديث عائشة هذا دليل على أن المراد بحديث أبي واقد وجوب الحج مرة واحدة كالرجال، لا المنع من الزيادة، وفيه دليل على أن الأمر بالقرار في البيوت ليس على سبيل الوجوب.
٣- وفي الحديث للمحدة:"امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله" رواه مالك (٢/٥٩١) ، وأبو داود (٢٣٠٠) ، والترمذي (١٢٠٤) ، والنسائي (٣٥٣٢) ، قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها.