أما الجانب التشريعي من الإسلام والمتمثل في شعائر الدين الظاهرة كالصلاة، والصيام، والحج، وغيرها من الشعائر الظاهرة، وغير الظاهرة؛ فهذه جزء من الدين وليست الدين كله، ويعني ذلك أنه لو قصّر فيها المسلم -مع إيمانه بأصول الاعتقاد- لا يخرج من الدين، ولا يمكن أن يخرجه أحد من الدين، كما عليه كثير من المسلمين اليوم من تقصير في بعض شعائر الدين، ومع ذلك لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين من حقوق وواجبات.
أما افتراض السائل بأنه لو أسلم فيحتمل ألا يعجبه الإسلام، فهذا غير وارد إلا على افتراض دخوله الإسلام من غير دراسة مسبقة، ومن غير التعرف عليه من مصادره الأصلية، وأما على افتراض معرفة الإسلام معرفة حقيقية، وخصوصاً الجانب العقدي منه، فهذا مبناه على الإيمانِ، واليقينِ، والتصديقِ، والإيمانُ والتصديقُ من اختصاص القلب، ونتيجته لازمة إما التصديق، أو التكذيب، ولا يجري فيه الإعجاب أو عدمه، كما يجري في الأعمال الحسية، كما سبق توضيحه.
وإذا دخل الإيمان -الذي هو أصل الاعتقاد- القلب فلا بد أن يستحسن أعمال الجوارح التي هي شعائر الإسلام الظاهرة لأنها لازمة له، وإلا لا يمكن أن يكون مؤمناً مصدقاً في الحقيقة. وأما افتراض السائل أنه لو دخل الإسلام فقد لا يعجبه فهذا افتراض غير وارد!
قد يقال: إنه قد يستثقل مع بداية الأمر بعض شعائر الدين، أو قد يكون مقصراً فيها، فهذا أمر طبيعي، لعدم الاعتياد ومع مرور الوقت يتأقلم مع الوضع الجديد، فالاستثقال أو التقصير شيء، وعدم الإعجاب شيء آخر، كما أن الإنسان يحب أشياء وإن كان يتقاصر عن الإتيان بها ويستثقلها كأعمال البر، فيلزم التفريق هنا.
أما في موضوع الردة فقد سبق تقرير أن الإسلام لا يكون بالإكراه أصلاً، ولا يصح الإسلام في هذه الحالة على افتراض وجوده.
أما الحكمة في عقوبة المرتد فإنها تعود إلى كون الردة تغييرا للولاء، وتبديلا للهوية، وتحويلا للانتماء؛ لأن المرتد ينقل ولاءه وانتماءه من أمة إلى أمة أخرى، ومن وطن إلى وطن آخر، أي من دار الإسلام إلى دار أخرى، فهو يخلع نفسه من أمة الإسلام التي كان عضوًا في جسدها، وينضم بعقله وقلبه وإرادته إلى خصومها، ومن أجل هذا اعتبرت الخيانة للوطن وموالاة أعدائه بالإلقاء بالمودة إليهم وإفضاء الأسرار لهم جريمة كبرى، ولم يقل أحد بجواز إعطاء المواطن حق تغيير ولائه الوطني لمن يشاء ومتى يشاء، ولا يوجد مجتمع في الدنيا إلا وعنده أساسيات لا يسمح بالنيل منها مثل: الهوية، والانتماء، والولاء.
وأيضاً لحماية الإسلام من أن يكون ألعوبة كما أراده يهود المدينة في وقت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله سبحانه وتعالى عنهم:"وَقَالَت طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون "[آل عمران:٧٢] ، فعلوا ذلك طمعاً في زعزعة الثقة في نفوس المؤمنين.