أما عقوبة المرتد فليست على إطلاقها فيفرق العلماء بين المرتد المجاهر الذي يحاول خلخلة الإسلام، وبين المرتد المسالم الذي انشغل بخاصة نفسه، والعقوبة على فرض تحققها لا بد أن تسبقها استتابة للمرتد، أي تبيان ما أشكل عليه من الإسلام ورد شبهاته إن كانت عنده شبهات، وهذا بإجماع الصحابة، كما ذكر ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله، مع الاختلاف في مدة الاستتابة بعضهم يجعلها موسعة، وبعضهم على خلاف ذلك.
إلى جانب ذلك فإن الذي يحكم بردة المسلم هم الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين يميزون بين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، وبين ما يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل، فلا يكفّرون إلا بما لا يجدون له مخرجًا، مثل: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو وضعه موضع السخرية من عقيدة أو شريعة، ومثل سب الله تعالى ورسوله، أو كتابة ذلك السبِّ علانية، ونحو ذلك.
إلى جانب أن الذي يناط به تنفيذ حكم الردة هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص؛ الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله عز وجل، ولا يرجع إلا إلى المُحْكمات البيّنات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المرجعان اللذان يُرجَعُ إليهما إذا اختلف الناس، وهو الأمر الذي أكد عليه الله تعالى بقوله:"فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً "[النساء:٥٩] .
وهذا مع أن في سلوك المسيحيين ما هو مشابه لموضوع المرتد، وقصة الفتاتين المسيحيتين اللتين أسلمتا، فسلمتهما الحكومة المصرية إلى الكنيسة وحلقت شعورهما ولا يعلم مصيرهما إلى الآن ليست عنا ببعيد.
إضافة إلى أن من كان جادًّا في الإسلام وهو في ديار الغرب فليس من المناسب ورود موضوع الردة في حقه، وذلك لخصوصية ثقافة وأنظمة البلاد التي يعيش فيها. والله أعلم.