أما ضَرْبُ السائل المثال بمالك بن نويرة -رضي الله عنه- فهو خطأ، فإن مالك بن نويرة صحابيٌّ، لم يتخلّف أحدٌ ممن صنّف في الصحابة على وجه الاستقصاء عن ذكره فيهم، ولا أعرف أحداً من المعتبرين شكك في إسلامه، بل دافع عن إسلامه ابن الأثير في أسد الغابة (٥/٥٣) .
ويقطع بذلك كلّه ما أخرجه ابن خياط بإسناد جيّد عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قدمَ أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بمقتل مالكٍ وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً. فكتب أبو بكر إلى خالد، فقدم إليه، فقال أبو بكر: هل يزيد خالدٌ على أن يكون تأوّل فأخطأ؟ وردَّ أبو بكر خالداً، وَوَدَى مالك بن نويرة، وردَّ السبي والمال. تاريخ خليفة بن خياط (١٠٥) .
وفي هذا الخبر التصريح بعدم كفر مالك بن نويرة -رضي الله عنه- بدليل جزع أبي بكر -رضي الله عنه- من مقتله الجزع الشديد، وبدليل تخطيء أبي بكر لخالد، وبدليل دفع أبي بكر لدية مالك بن نويرة وردّه السبي والمال.
وفي هذا الخبر أيضاً فائدةٌ جليلةٌ، وهي تطبيقٌ عمليٌّ لما قرّرناه آنفاً، من أن خطأ الصحابي يُتأوَّل له ما احتمل التأويل، فهذا أبو بكر -رضي الله عنه- مع جزعه الشديد من فعل خالد وتخطيئه له، إلا أنه عفا عنه لا عتقاده فيه التأوُّلَ الصادقَ الحسنَ، ولذلك أعاد خالداً -رضي الله عنه- إلى قيادة الجيش في قتال المرتدّين وفي الفتوح.
وأخيراً: أرجو من الأخ السائل ومن غيره -قبل أن تستقرَّ الشبهة في قلوبهم- أن يُثبِّتوا في قلوبهم المحكمات. فعليهم بقراءة أدلة عدالة الصحابة الإجماليّة، التي ذكرتُ بعضها واليسير منها. وأن يقرؤوا أدلة فضلهم التفصيلية، والواردة في كثير منهم، واحداً واحداً، مثل كتب فضائل الصحابة. وأن يقرؤوا أخبار الصحابة وسيرهم وحوادث حياتهم, إنهم إن فعلوا ذلك لن يبقى لتلك الشُّبهِ في قلوبهم أيُّ أثر، وستكون كمن أراد أن يطفئ ضياء الشمس بنفخة فيه.
اللهم إنا نشهدك على محبّة أصحاب رسولك -صلى الله عليه وسلم- وهذه المحبّة عندنا من أوثق عُرى إيماننا - فاحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين.
والله أعلم.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين.