قال ابن القيم رحمه الله تعالى ذاكراً أقوال العلماء بتعليق الطلاق بأجل معين: "فصل: وأما تعليق الطلاق بوقت يجيء لا محالة -كرأس الشهر والسنة وآخر النهار ونحوه- فللفقهاء في ذلك أربعة أقوال: أحدها: أنها لا تطلق بحال، وهذا مذهب ابن حزم واختيار أبي عبد الرحمن الشافعي، وهو من أجل أصحاب الوجوه، وحجتهم: أن الطلاق لا يقبل التعليق بالشرط كما لا يقبله النكاح والبيع والإجارة والإبراء، قالوا: والطلاق لا يقع في الحال ولا عند مجيء الوقت، أما في الحال فلأنه لم يوقعه منجزا وأما عند مجيء الوقت فلأنه لم يصدر منه طلاق حينئذ، ولم يتجدد سوى مجيء الزمان، ومجيء الزمان لا يكون طلاقاً.
وقابل هذا القول آخرون وقالوا: يقع الطلاق في الحال، وهذا مذهب مالك وجماعة من التابعين، وحجتهم أن قالوا: لو لم يقع في الحال لحصل منه استباحة وطء مؤقت، وذلك غير جائز في الشرع؛ لأن استباحة الوطء فيه لا تكون إلا مطلقاً غير مؤقت؛ ولهذا حرم نكاح المتعة لدخول الأجل فيه، وكذلك وطء المكاتبة، ألا ترى أنه لو عري من الأجل -بأن يقول إن جئتني بألف درهم فأنت حرة- لم يمنع ذلك الوطء.
قال الموقعون عند الأجل: لا يجوز أن يؤخذ حكم الدوام من حكم الابتداء، فإن الشريعة فرقت بينهما في مواضع كثيرة، فإن ابتداء عقد النكاح في الإحرام فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على المعتدة فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الأمة مع الطول وعدم خوف العنت فاسد دون دوامه، وابتداء عقده على الزانية فاسد عند أحمد ومن وافقه دون دوامه، ونظائر ذلك كثيرة جداً، قالوا: والمعنى الذي حرم لأجله نكاح المتعة كون العقد مؤقتاً من أصله، وهذا العقد مطلق، وإنما عرض له ما يبطله ويقطعه فلا يبطل كما لو علق الطلاق بشرط وهو يعلم أنها تفعله أو يفعله هو ولابد ولكن يجوز تخلفه.
والقول الثالث: أنه إن كان الطلاق المعلق بمجيء الوقت المعلوم ثلاثا وقع في الحال، وإن كان رجعياً لم يقع قبل مجيئه، وهذا إحدى الروايتين عن الإمام أحمد نص عليه في رواية مهنا، إذا قال: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر، هي طالق الساعة، كان سعيد بن المسيب والزهري لا يوقتون في الطلاق، قال مهنا: فقلت له: أفتتزوج هذه التي قال لها: أنت طالق ثلاثاً قبل موتي بشهر؟ قال: لا ولكن يمسك عن الوطء أبدا حتى يموت. هذا لفظه وهو في غاية الإشكال، فإنه قد أوقع عليها الطلاق منجزا فكيف يمنعها من التزويج، وقوله: يمسك عن الوطء أبدا يدل على أنها زوجته إلا أنه لا يطؤها، وهذا لا يكون مع وقوع الطلاق، فإن الطلاق إذا وقع زالت أحكام الزوجية كلها، فقد يقال: أخذ الاحتياط فأوقع الطلاق ومنعها من التزويج للخلاف في ذلك فحرم وطأها وهو أثر الطلاق، ومنعها من التزويج لأن النكاح لم ينقطع بإجماع ولا نص، ووجه هذا أنه إذا كان الطلاق ثلاثاً لم يحل وطؤها بعد الأجل فيصير حال الوطء مؤقتاً، وإن كان رجعياً جاز له وطؤها بعد الأجل فلا يصير الحال مؤقتاً وهذا أفقه من القول الأول.