للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذا فإني أنصح السائل أن يرجع إلى كتاب (المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية) للدكتور محمد النتشة، فإن فيه جمعاً جيداً لأقوال المعاصرين، ومن خلاله يمكن الوقوف على قرارات المجامع الفقهية في هذه المسائل والبحوث فيها.

وأما رأي العبد الفقير فإنني أنبه أولاً إلى ما يلي:

١. لابد في هذه المسائل من استيعاب جميع الصور التي تندرج تحتها، وبيان حكم كل منها على حدة؛ لأن الخلط بينها يورث اللبس وتداخل الأدلة.

٢. يجب تحرير الموقف الطبي تحريراً بالغاً، بمعنى أن يقال: هل الطب وصل إلى حد اليقين أو شبه اليقين من جدوى عمليات النقل في الصور المتقدمة؟

لا سيما نقل الأعضاء، والتأكد من عدم وجود مضاعفات فيها؛ لأني أخشى في مثل هذه المسائل أن يجتهد الفقهاء في بحثها ويصلوا أو يصل بعضهم إلى الجواز فيها، ثم لا نلبث أن نرى الطب قد تراجع عما توصل إليه وشكك في نجاح ما كان يرى نجاحه، فهذا موقف لا نحمد عليه.

إذ إن بحث هذه المسائل فرع عن تحقق الجدوى الصحية منها، أو على أقل الأحوال غلبة الظن فيها، أو أن أكثر أهل الطب على ذلك.

هذا فضلاً عن تحقق الإمكانية أصلاً كما في مسألة الاستنساخ التي كان ينبغي ألا تبحث من الناحية الفقهية حتى تثبت إمكانية وقوعها، إلا أن يكون بحثها من حيث جواز إجراء التجارب فيها من عدمه.

أما هذه المسائل التي وردت في السؤال وأشرت إلى صورها، فالذي يظهر لي فيها ما يلي:

١. تبرع المسلم الحي بشيء من أعضائه، أميل فيه إلى المنع؛ لأن التصرف في جسم الإنسان ليس إليه، لا سيما وأن التبرع بالعضو سيؤثر على صحته، إن حالاً أو مآلاً، وذلك يمنعه من بعض العبادات أو كمالها.

٢. تبرع المسلم بشيء من أعضائه بعد موته، أي: وصيته بذلك يجرى عليه ما تقدم من كون الإنسان لا يملك جسمه فلا يملك التصرف فيه، وحتى على القول بأن حرمة الجسد حال الموت أقل منها حال الحياة، فإن تصور هذا التبرع –في نظري– سيكون في نطاق ضيق جدًّا ذلك أن من أجازه قيده بحال الضرورة في المتبرَع له، وهذه الحال كيف يمكن للمسلم التحقق منها بعد موته؟!

إلا أن يعلم بمضطر بجانبه وهو في حال الاحتضار فيتبرع في هذه الحال بكليته مثلاً لهذا الشخص.

وأما مجرد الاعتماد على أن العضو لن يصرف إلا لمضطر، فهذا وإن كان في الواقع صحيحاً، فإن الشخص مطالب بالوقوف على الأمر بنفسه، لا سيما وأن مثل هذا التبرع قد يستغل في التسرع في نزع العضو منه قبل موته الحقيقي، وذلك في حال موت الدماغ، وقد منع كثير من المجيزين للتبرع أن يكون ذلك في هذه الحال، كما أن كثيراً من المعاصرين على عدم اعتبار موت الدماغ موتاً تعلق به الأحكام الشرعية.

ومما يضيق تصور التبرع بالعضو بعد الموت، أنه لا يستفاد من نقل عضو من الميت لا سيما الضروريات كالكلية، إلا إن كان النقل في حال موت الدماغ، أما بعد ذلك فلا فائدة كما ذكر ذلك أهل الطب.

٣. المعاوضة (بالبيع ونحوه) على شيء مما ورد في السؤال لا تجوز بحال، وهذا يشمل المعاوضة في الأعضاء، وفي الدم، في حال الحياة وحال الممات.

<<  <  ج: ص:  >  >>