وهذا قول أكثر المعاصرين حتى من أجاز التبرع مطلقاً، وذلك لخطورة تحويل جسم الإنسان للمزايدة عليه، ولأن ذلك سيحمل البعض ممن بلغ به الفقر مبلغه أن يتصرف في جسمه بما يضره، ولربما تعدى ذلك إلى تصرفه بأولاده، فإذا كان الله -تعالى- قد قال: "وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُم مِنْ إِمْلاقٍ" [الأنعام: ١٥١] ، وفي الآية الأخرى "خَشْيَةَ إِمْلاقٍ" [الإسراء: ٣١] ، وذلك لوجود من فعل ذلك، فلا يبعد إذاً أن يوجد من يبيع بعض الأعضاء بسبب خوفه من الفقر، أو لجشعه وطمعه.
وأما المعاوضة على حليب الأم فذلك مباح، ولكن بشرط كونه لشخص معين، حتى لا تضيع حرمة الرضاع، وإنما جاز ذلك لإباحة أخذ الأجرة على الرضاع.
ولكن إنشاء ما يسمى ببنوك الحليب فالأقرب عندي فيه هو المنع، وعليه أكثر المعاصرين للعلة التي ذكرت وهي ضياع حرمة الرضاع.
٤. في نقل الدم ينبغي الحذر الشديد من تلوثه، فلا يجوز لشخص أن يتبرع بدم وهو يعلم ما فيه من مرض، كما ينبغي لمن احتاج إلى دم أن يحذر كيلا يكون الدم ملوثاً، لا سيما مع وجود أمراض خطيرة كالإيدز، وتكمن الخطورة في عدم التأكد من سلامة الدم من مثل هذا الفيروس؛ لأن الاختبار والتحليل مهما بلغت دقته لا يصل إلى حد التأكيد كما ثبت ذلك طبياً، ولذا ينصح الأطباء بعدم التعرض لنقل الدم إلا في حال الضرورة، ويستحسن أن يعلم مصدر هذا الدم، وحين يكون من أقارب المريض المعروفين بسلامتهم من الأمراض فهو أولى.
ولذا لو قيل بالمنع من أخذ الدم من الكفار إلا في حال الضرورة القصوى؛ لعدم تورعهم عن المحرمات، كالخمر والزنا -فلا تضمن سلامة الدم- فذلك قول قوي.
وأما العكس وهو تبرع المسلم للكافر بالدم، فإن كان ممن تجوز الصدقة عليه فيجوز التبرع له بالدم بشرط عدم الضرر على المسلم.
٥. في نقل الأعضاء من الكافر فينبغي أن يكون الأمر فيه أيسر بكثير، فإن كان معصوم الدم كالذمي والمعاهد فلا يجوز إلا برضاه، فإذا رضي جاز النقل، والجواز هنا هو في قضية إجراء النقل وليس من حق الكافر؛ لأنه لا يبحث هو عن الحكم الشرعي، بل حتى لو رضي بنقل قلبه فيجوز ذلك فيما يظهر؛ لأنه رضي بقتل نفسه فالإسلام لا يمنعه من ذلك،
وكذلك في حال موته، وقد أوصى بالنقل، أو رضي ورثته فيجوز ذلك.
وأما إن كان الكافر غير معصوم الدم كالحربي فالذي يظهر جواز نقل أي عضو منه رضي أو لَمْ يَرْضَ، ولكن ليس على سبيل المثلة بل لتحقق الضرورة في المنقول إليه، وهذا في حياته، وكذلك في حال مماته من باب أولى؛ لأنه غير معصوم فهو مستوجب للقتل.
٦. في حال الكافر تجوز المعاوضة -فيما يظهر- سواء كان معصوم الدم أو غير معصوم، وفي حال الحياة وحال الممات.
٧. ما يتعلق بالعقوبة المسؤول عنها في السؤال يقال بأن من حرم شيئاً من الصور فإن العقوبة عنده، هي: الإثم لارتكابه المحرم، وهذا فيما يكون بينه وبين الله، وإن كان الأمر فيه تعدٍّ على أحد، فقد اشتمل على الظلم أيضاً فيكون فيه حق لله وحق للآدمي، وأما العقوبة الدنيوية فهذه ترجع إلى وجود والٍ شرعي أو قاضٍ شرعي يقيم العقوبات الشرعية، وحينئذ فقد يستحق المخالف عقوبة تعزيرية بحسب فعله.
هذا والله أعلم، وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.