يبدأ الأمر بأن تدفعَ مبلغاً من المال لزيد، على أن تحصل من وراء ذلك على عمولات أو عوائد أو أرباح. لكن هذه العمولات التي تحصل عليها أنت تأتي من المبلغ الذي يدفعه عمرو لزيد. والعمولات التي يحصل عليها عمرو بدوره تأتي من المبلغ الذي يدفعه بكر. وهذا بدوره يحصل على العمولات مما يدفعه عبيد، وهكذا.
فما يحصله الأول هو مما دفعه الثاني، والثاني مما دفعه الثالث، والثالث مما دفعه الرابع، وهكذا. ولا يرتاب عاقل أن هذا النظام، من حيث هو، باطل، لأن كل واحد في السلسلة إنما يربح مما يدفعه الذي يليه، فالأخير خاسر دائماً، ولا يربح إلا إذا وجد من يعقبه في السلسة.
ومآل هذه السلسلة إلى التوقف حتماً، لأن هذا تسلسلٌ في العلل أو في الفاعلين، إذ علة ربح الأول هي اشتراك الثاني، وعلة ربح الثاني اشتراك الثالث، وعلة ربح الثالث اشتراك الرابع، وهكذا. والتسلسل في العلل ممتنع باتفاق العقلاء كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله. (٤) وإذا كان ممتنعاً لزم توقفه عاجلاً أو عاجلاً، وإذا توَقَفَ كان الأخير خاسراً لمصلحة من قبله، وهذا هو أكل المال بالباطل المحرم بالنص والإجماع.
الهرمية:
وهذه السلسلة تكبر تدريجياً، بحيث تكون كل حلقة فيها أو كل طبقة أكبر من التي قبلها. وسبب ذلك أن مقدار الاشتراك الذي يدفعه الأعضاء ثابت. فإذا أراد الأول أن يحصل على رأسماله مع الربح لزم أن يليه في السلسلة ما لا يقل عن شخصين (بحيث يغطي اشتراك أحدهما رأسمال الأول، بينما يغطي اشتراك الآخر مقدار الربح، والباقي يذهب لمصلحة صاحب المشروع) . ثم كل من هؤلاء لكي يربح يحتاج ما لا يقل عن شخصين، فيتطلب ذلك أن يكون أعضاء الطبقة الثالثة لا يقلّون عن أربعة، وهكذا. فلا بد من النمو المطرد للسلسلة، فتصبح من ثم على شكل هرمي، كل طبقة فيه أكبر من التي فوقها.
وفي كل مرة ينمو الهرم يصبح استمرار نموه أصعب من ذي قبل، حتى يؤول ذلك إلى التوقف التام لتعذر وجود العدد الكافي من الأعضاء لبقاء النمو. وهذا سبب آخر يضاف لما سبق حول ضرورة توقف الهرم. وفي هذه الحالة تصبح الطبقات الأخيرة خاسرة بالضرورة لمصلحة الطبقات العليا. وقد أشرت في المقال السابق أن الطبقات الأخيرة الخاسرة تمثل رياضياً ٩٤% من الأعضاء، في حين تمثل الطبقات الرابحة ٦% فحسب. وهذا مما يؤكد أن هذا النظام مبني على الاستغلال والتغرير بالأكثرية الساحقة لمصلحة الأقلية الرابحة.
ما يقابل الاشتراك
لما برزت فكرة التسلسل الهرمي، في غياب أي منتج أو بضاعة، وتبيّن فساد هذا النظام، حكمت المحاكم الغربية ببطلانه ومنعه. فاحتالوا لذلك بإدخال سلع أو منتجات يمتلكها الأعضاء مقابل الاشتراك، لا لشيء إلا لتجنب الملاحقة القانونية. وقد سبب وجود المنتج إشكالاً عند كثيرين، جعلهم يصححون هذا التعامل على أساسه. وسنبين إن شاء الله أثر المنتج في نظام التسويق، وأيهما تابع للآخر. إذ الحكم للمتبوع، والعبرة بالمقصود، كما هو متقرر شرعاً. لكن من المهم قبل كل شئ الاتفاق على أن النظام الهرمي في ذاته باطل، وأنه أكل للمال بغير حق. وإذا تقررت هذه النتيجة، يمكن النظر في وجود المنتج: هل يغير من مفاسد التسلسل الهرمي شيئاً؟ وهل مصلحته تجبر مفاسد النظام أم لا؟