للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحتى يستبين لك هذا جلياً: انظر إلى كيف هو ضعف الرجل حين يكون مطلوباً تتعرض له المرأة بالإثارة والإغراء فهو- بلا شك- أمام إغراء المرأة أضعف وأقل صبراً وأسرع استجابة من المرأة أمام دعوته وتسويله.

إننا لا نعترض على العمل بسد الذرائع، فهو دليل من الأدلة الشرعية، ولا على الغيرة على الأعراض، فقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على بعض الصحابة - رضي الله عنهم- غيرتهم، ولا على حماية المرأة من وسائل الإغواء، فزماننا قد كثر فيه الفساد وتسلَّط فيه أهل الشهوات، لكن الاعتراض يتوجه إلى المبالغة المفرطة في سد الذرائع، وفي المنع والتحرز إلى حد تشعر فيه المرأة أنها مسلوبة الثقة، وأنا هنا لا أتكلم بخصوص مراسلتها عبر البريد الإلكتروني فقط، بل عن أسلوب معاملتنا لها على وجه العموم، فمنعت من الإفادة من الإنترنت، وأحياناً من اقتناء الجوال، وكأن دخولها لعالم الإنترنت واقتناءها للجوال هو في ذاته وقوع في شرك الذئاب البشرية التي تتصيد النساء، وتستدرجهن إلى درك الفاحشة، نفعل ذلك في الوقت الذي منحنا فيه أبناءنا الشباب حق الإفادة والاستمتاع بهذه الوسائل، أحياناً برقابة، وأحياناً بلا رقابة!.

يجب أن يضبط العمل بسد الذرائع؛ حتى لا نقع في دائرة التشديد وتحريم الحلال، وفي هذا السبيل يجب أن نحقق النظر بتأمل وتجرد وموضوعية في كل وسيلة من الوسائل، هل هي مظنة للفتنة وذريعة إلى الحرام؟

فمثلاً ذهاب الفتاة وحدها إلى الأسواق غير النسائية مظنة للفتنة يجب أن تمنع منه، ودخول الإنترنت باستخفاء في آخر الليل مدعاة للريبة يجب أن يمنع منه الابن والبنت على السواء، وخلوتها ب- الأجنبي حتى ولو كان سائقاً على كفالة والدها - ذريعة للفساد يجب أن تسدَّ.

ومع كل ذلك يبقى من المبالغة في سد الذرائع، منع الفتاة من الإفادة من الإنترنت مطلقاً حتى ولو بمرآى من جميع الأسرة وفي وضح النهار، ومن الإفراط في الحذر وسلب الثقة أن تحرم من الجوال وهي محتاجة إليه، في الوقت الذي يمنح الابن حق الإفادة من الحاسوب والجوال بحرية مطلقة أو رقابة غير جادة.

وهذا لعمر الحق من التناقض العجيب، وهو يدل على أن أسلوب تعاملنا مع المرأة فيه شيء من الإفراط والحذر وعدم الثقة، وأننا نأخذ بالرقابة وأسباب المنع أكثر مما نأخذ بأساليب التوعية ودعائم تحصين الفكر، فبالغنا في الاحتياط والرقابة والمنع، وأهملنا الجوانب الأخرى من التوعية والتثقيف والتحصين والتهذيب.

والحاصل أن هذه المبالغة في سد الذرائع هي بلا شك مجانفة واضحة عن المنهج الوسط، لا يمكن تقويمه إلا بأن ينقص من هذه المبالغة بقدر ما يزاد من الحرص على تنويع الخطاب وتهذيبه والارتقاء بأسلوبه؛ حتى يكون مقنعاً لعقل المرأة مؤثراً في وجدانها.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>