ثم كيف يستدل المبتدع أو المخالف بنصوص ينسبها إلى الشرع ثم يقول أنا أريد الجواب من غير ذلك، هذا تناقض يدل على الجهل وفساد المعتقد والله الهادي إلى سواء السبيل.
أما القصة الثانية وهي: قوله "ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم"[النساء:٦٤] يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم- فيستغفرون الله عنده، ويسألوه أن يغفر لهم فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم ولهذا قال:"لوجدوا الله تواباً رحيماً"[النساء:٦٤] ، وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي، قال كنت جالساً عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:"ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر الله لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً"، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول:
فطاب من طيبهن القاع والأكم *** يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيناي فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- في النوم فقال:"يا عتبى الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له"، فلا نوافق ما تدل عليه من دعاء الميت والاستشفاع به بعد موته وفي غيابه، ولا ما تضمنته الرؤيا من أن الله غفر له بهذه الأبيات، وندعو الله أن يعفو عنا وعن ابن كثير - رحمه الله- وغيره ممن ذكرها، وليس لنا محاسبة هؤلاء الفضلاء الذين يجتهدون في ترغيب الناس في الإقبال على الله والتزام شرعه، وإن أخطأوا في اتخاذ الوسيلة الموصلة إلى ذلك، بل نأخذ ما وافق الشرع وندع ما خالفه، وقد أشار ابن كثير - رحمه الله- إلى أنها حكاية من الحكايات المنامية، ولم يبن عليها حكماً في التوسل أو الدعاء والله الهادي إلى سواء السبيل.