الثالثة: إذا حكم الحاكم بغير ما أنزل، وهو يعتقد أن حكم الله هو أصلح للعباد في دينهم ودنياهم، وإنما حكم بالقانون الوضعي لجهله بحكمه، أو لتأوله بأنه لا يخالف الشرع لشهوة شخصية ففعله هذا كبيرة من كبائر الذنوب، وهو معصية تقرب من الشرك ولكن لا يكفر بها، وهي عند أهل العلم،: كفر دون كفر، وهذا النوع الثالث عليه أكثر حكام المسلمين اليوم، ومعلوم في القواعد الشرعية المقررة: أن المؤاخذة والتأثيم لا تكون بمجرد المخالفة ولكن بتحقق القصد إليها، فالمتأول في حقيقة الأمر مخطئ غير متعمد للمخالفة، بل هو يعتقد أنه على حق وموافق لشرع الله قال تعالى:"وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ"[الأحزاب: من الآية٥] ، وهذا عام في كل خطأ وقد ثبت في صحيح مسلم أنه لما نزل قوله تعالى:"رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا"[البقرة: من الآية٢٨٦] ، قال الله: قد فعلت وأيضاً إن هذا النوع من الحكام يغلب عليهم الجهل بالإسلام وأحكامه، وتعلق بقلوبهم الشبهة تلو الشبهة، فتراه إن دافع عن فعله المنكر دافع بشبهة أو شهوة، وحاله غير مكذّب لقول الله وليس مستحلاً لمخالفة أمره سبحانه فهذا وأمثاله إن أطلق عليه وصف الكفر مراعاة لظاهر النص في القرآن "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"[المائدة: ٤٤] ، فلا تجرى عليه أحكام الكفار في الدنيا من عدم التوارث أو الصلاة عليه أو الدفن في مقابر المسلمين أو الدعاء له بعد الوفاة ونحوه، ولهذا لابد من التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، فالإمام أحمد وغيره من علماء السلف رحمهم الله لم يكفروا كل من دعا إلى القول بخلق القرآن، مع إطلاقهم أن القول بخلق القرآن كفر، ولهذا قال علماء السلف: إن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع،